للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طَوَافُهُ أَيضاً على المذْهَب الصَّحيحِ الذي قَطَعَ به الْجَماهيرُ لأنَّ بعضَ بدنِهِ في البيتِ ويَنبغي أَن يُتَنبَّه هُنَا لدقيقة وهي أنَّ مَنْ قَبَّلَ الْحجَرَ الأسْوَدَ فَرَأْسُهُ في حدِّ التقْبيلِ في جزء مِنَ البيتِ فَيَلْزَمُهُ أَن يقرَّ قدَمَيْهِ في موضعهِمَا حتى يَفْرُغَ من التَّقْبيلِ ويعتدلَ قائماً لأَنَّهُ لو زالَتْ قَدَماهُ من مَوْضِعِهِمَا إلى جهةِ البابِ قليلاً ولو قدْرَ بعضِ شِبر في حالِ تقبيلِهِ ثُمَّ لما فَرَغَ من التَّقْبيلِ اعْتَدَلَ عَلَيْهِما في الْمَوْضِعِ الذي زَالَتَا إليهِ ومضَى من هُنَاكَ في طَوَافِهِ (١) لكانَ قد قَطَعَ جُزءاً من مَطَافِهِ وبدَنُهُ في هَوَاءِ الشَّاذرَوانِ فَتبطُلُ طَوْفَتُهُ تلك.

وأما الْحِجْر (٢) فهو مَحُوطٌ مُدَوَّر على صُورَةِ نصفِ دَائرةٍ وهو خارجٌ عن جدارِ الْبَيْتِ في صَوْبِ الشَّامِ وهُو كُلهُ أو بعْضهُ من البيتِ تركَتْهُ قُرَيشٌ حينَ بَنَتْ البيت وأخْرَجَتْهُ عن بناءِ إبراهيمَ - صلى الله عليه وسلم - (٣) وصارَ لهُ جدار قَصِير (٤).

واخْتَلَفَ أَصحَابُنَا في الْحِجْرِ فذهَبَ كَثيرُونَ إلى أنَّ ستَّةَ أذْرُعٍ منْهُ مِنَ البَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ حَتَى لَوْ اقْتَحَمَ جدَارَ الْحِجْرِ وَدَخَلَ منْهُ وخَلَّفَ بَيْنَهُ وبَيْنَ البَيْتِ ستة أذْرُعٍ صَحَّ طَوَافُهُ وبَعْضُهُم يقُولُ سبعَ أَذْرُع (٥) وَبِهذاَ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَيْخُ أبُو مُحَمَّد الْجُوَيْني مِنْ أئِمّةِ أصْحَابِنَا وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْن وَالْبَغَوِيُّ، وَزَعَمَ الإِمَامُ أبُو القَاسِمِ الرَّافعيُّ أَنهُ الصَّحيحُ ودَليلُ هَذا المذهب مَا ثَبَتَ في صَحيحِ مُسْلم عَنْ عَائشَةَ رَضِيَ اللهُ عنْهَا عن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ستَّةُ أذْرُعٍ من الحِجْرِ مِنَ الْبيتِ" وفي رواية لهُ: أنَّ من الْحِجْرِ قريباً من سبعة


(١) أي ولم يرجع إلى المحل الذي زالتا منه.
(٢) الحِجْر: بكسر الحاء.
(٣) لأن الأجرة الطيبة الحلال التي تنفق على بناء الكعبة نقصت على قريش.
(٤) ليدل على أن الحجْر من الكعبة.
(٥) لفظ ذراع يذكر ويؤنث كما في مختار الصحاح والمراد به ذراع اليد.

<<  <   >  >>