والحديث عام بلفظه في الحج والعمرة فلا يمكن تخصيص العمرة منه إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وأما القائلون بأنه لا بد أن يخرج إلى الحل وهم جماهير أهل العلم كما قدمنا فاستدلوا بدليلين: أحدهما: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة في عمرتها من مكة إلى التنعيم، وهو أدنى الحل. قالوا: فلو كان الإِهلال من مكة بالعمرة سائغاً لأمرها بالإِهلال من مكة، وأجاب المخالفون عن هذا بأنّ عائشة آفاقية والكلام في أهل مكة لا في الآفاقيين. وأجاب الآخرون عن هذا بأن الحديث الصحيح دلّ على أن مَنْ مَرْ بميقات لغيره كان ميقاتاً له، فيكون ميقات أهل مكة في عمرتهم هو ميقات عائشة في عمرتها لأنها صارت منهم عند ميقاتهم. الدليل الثاني: هو الإستقراء. وقد تقرر في الأصول أن الإستقراء من الأدلة الشرعية، ونوع الإستقراء المعروف عندهم بالإستقراء التام حجة بلا خلاف، وهو عند أكثرهم دليل قطعي، وأما الإستقراء الذي ليس بتام وهو المعروف عندهم بإلحاق الفرد بالأغلب فهو حجة ظنية عند جمهورهم، والإستقراء التام المذكور هو أن تتبع الأفراد يوجد الحكم في كل صورة منها ما عدا الصورة التي فيها النزاع فيعلم أن الصورة المتنازع فيها حكمها حكم الصورة الأخرى التي ليست محل النزاع، وإذا علمت هذا فاعلم أن الإستقراء التام أعني تتبع أفراد النسك دَل على أن كل نسك من حج أو قران أو عمرة غير صورة النزاع لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرم حتى يكون صاحب النسك زائراً قادماً على البيت من خارج كما قال تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: ٢٧] الآية. فالمحرم بالحج أو القران من مكة لا بد أن يخرج إلى عرفات، وهي في الحل، والآفاقيون يأتون من الحل لحجهم وعمرتهم، فجميع صور النسك غير صورة النزاع لا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم فيعلم بالإستقراء التام أن صورة النزاع لا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم، وإلى مسألة الإستقراء المذكور أشار في مراقي الصعود بقوله: ومنه الإستقراء بالجزئي ... على ثبوت الحكم للكلي فإنْ يعم غير ذي الشقاق ... فهو حجة بالاتفاق إلخ ... وقوله: (فإن يعم ... البيت) يعني أن الإستقراء إذا عم الصور كلها غير صورة =