للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد اقتضت سنة الله في خلقه، أن يكون التمكين للعباد في الأرض، مرتبطاً بعوامل مادية، يجب على الأمة تحصيلها، قبل تطلعها للظهور على الناس، وقد جاء ذلك في مواطن عديدة من القرآن العظيم، منها قوله سبحانه {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (١) "هذا وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبَدَّلُنّ بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك. وله الحمد والمنة" (٢). والملاحظ في هذا الوعد أنه ليس لكل أحد، بل لأناس مخصوصين، موصوفين {الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فالإيمان الصادق، الذي لا ارتياب معه، ولا يشوبه شك، هو أساس تمكين المسلمين في الأرض، وتقدمهم على غيرهم، وانضمام العمل الصالح له، شرط ثان لابد من توفره، وقد تحقق كل ذلك في " الصحابة، رضي الله عنهم، لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأوامر الله عز وجل، وأطوعهم لله -كان نصرهم بحسبهم، وأظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب، وأيدهم تأييدًا عظيما، وتحكموا في سائر العباد والبلاد. ولما قَصَّر الناس بعدهم في بعض الأوامر، نقص ظهورهم بحسبهم " (٣).

ومثل ذلك توجيه موسى عليه السلام لقومه {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (٤) فالاستعانة بالله تعالى من لوازم الإيمان، والصبر من أرفع العمل الصالح، وبهما يحصل الظهور والتمكين، وقد صرح رب العالمين سبحانه بِعِلَّةِ نصرهم على عدوهم وتمكينهم فقال سبحانه {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا


(١) - سورة النور. آية ٥٥
(٢) - تفسير ابن كثير ٣/ ٤٠١ - ٤٠٣
(٣) - نفسه. ٣/ ٤٠٣
(٤) - سورة الأعراف. آية: ١٢٨

<<  <   >  >>