للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسهام في نشر ثقافة الإحسان، وأن تنمية المال بالصدقة.

لم يأت شيء من تشريعات الإسلام مخالفاً للفطرة، التي فطر الله تعالى الناسَ عليها، من حب المال، والتعلق به، كما أخبر بذلك سبحانه {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} (١). وقال تعالى {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (٢).

غير أن هذا المال ليس غاية في نفسه بل هو أداة ووسيلة يتوصل بها المؤمن الصادق لمرضاة خالقه، ومولى نعمته، ولا يتأتي ذلك للمؤمن حتى يعوِّد نفسه البذل، والإحسان، ويداويها من الشح قال تعالى مادحاَ للكرام المنفقين {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (٣). وقال سبحانه {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٤). وقد بلغ القرآن بهذا الأمر درجة عالية، حتى صار تركه إلقاءً للنفوس في التهلكة، فقال سبحانه {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)} (٥). ففي تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله "عن أسلم أبي عمران قال: حَمَل رجلٌ من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خَرَقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشَهِدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نَجِيَا، فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونَصْرِه، حتى فشا الإسلام وكثر أهلُه، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما. فنزل فينا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد" (٦). وإذا كان الإمساك والشح مَهْلكة للممسكين، فالبركة، والتوسعة، والنماء، نعم


(١) - سورة الفجر. آية: ٢٠
(٢) - سورة العاديات. آية: ٨
(٣) - سورة الإنسان. آية: ٨
(٤) - سورة الحشر. آية: ٩
(٥) - سورة البقرة. آية: ١٩٥
(٦) - تفسير ابن كثير: ١/ ٣١٠ - ٣١١، والحديث في صحيح البخاري كتاب التفسير باب قوله تعالى "وأنفقوا في سبيل الله" رقم الحديث/ ٤٥١٦

<<  <   >  >>