كحسن الكذب النافع وكثير منهما ليس للعقل مدخل في معرفته فالشرع مثبت في الكل والعقل مبين في البعض وإنما يضاف الأحكام إلى العدل في الشرعيات والعقليات بالعقل تيسيرًا على العباد لأن إيجاب الله غيب، لا لأن العقل موجب بل فاهم ويصدق على حكم المسألة الاجتهادية أنه لله تعالى باعتبار أنه له عند المجتهد والصدق باعتبار كاف في أصل الصدق ولا ينافيه الخطأ لأنه في زعم المجتهد لا في حكم الله تعالى.
ولتحرير المبحث مقدمات
١ - أن النزاع لا في مطلق الجن والقبح فإنهما في الصفات عقليان اتفاقًا فكل صفة توجب ارتفاع شأن المتصف بها حسنة وكل صفة توجب انحطاطه قبيحة وهما المعبر عنهما بصفة الكمال والنقصان فذكر الفعل احتراز عنهما.
٢ - أن حسن الفعل وقبحه يستعملان في ثلاث معان ليس شيء منها محلًا للنزاع إضافية كالقبلية لا ذاتية كالسواد ففي حكم الله احتراز عن هذه المعافي الثلاث أحدهما موافقة غرض الفاعل ومخالفته كقتل زيد لعدوه ووليه فما ليس موافقاً ولا مخالفًا من أفعال العباد يسمى عبثًا وفعل الله لا يوصف بهما لتنزهه عن الغرض عندنا ويرادفه الاشتمال على المصلحة التي هي اللذة أو وسيلتها والمفسدة التي هي الألم أو وسيلته وملائمة الطبع ومنافرته أخص منه من وجه والأول أولى لشمول الثاني الصفات وثانيها أمر الشارع بالثناء على فاعله كالواجب والمندوب أو بالذم كالحرام ويختلف بالأشخاص كصلاة الجمعة للرجل والمرأة الشابة وبالأحوال كأكل الميتة للمضطر وغيره وبالأزمان كالصوم في آخر رمضان وأول شوال لا يقال هذا شرعي قطعًا لأن من المحتمل حكم العقل قبل ورود الشرع أن هذا مما يستحق فاعله المدح أو الثناء في نظر الشرع فالمباح والمكروه ليس بحسن ولا قبيح وكذا فعل غير المكلف من الأناسي وثالثهما أن لا يكون في فعله حرج أي إثم أو يكون وقد يقال أن لا يكون منهيًا عنه شرعًا أو يكون، ويختلف كالثاني فالواجب والمندوب والمباح وفعل غير المكلف وكذا المكروه حسن وكذا فعل الله حسن بالمعنين الأخيرين لكن بالثالث مطلقًا وبالثاني بعد ورود الشرع لا قبله كما تخيله بعض إلاَّ صحاب من تعلق الأمر بالمعدوم بتقدير وجوه وإن كان وجود الفعل قبله فإنا مأمورون بعد ورود الشرع بالبناء على جميع أفعاله وقد وقع في المرصاد أن النزاع في الأخيرين ولعله أراد استلزامهما للمعنى المتنازع فيه المار وإلا ففيه بحث فإنه بعض محل النزاع لأن بعض ما لم يرد الشرع بالبناء والذم أو بالإثم وعدمه يتصف بهما عندهم لو أراد أنهما أيضًا