والنظر في مرآته لا سيما تصرف مملوك يأخذ قطرة من بحر لا ينزف لمالكه النصف بغاية الجود فالعقل يقتضي إباحته لا حرمته ولو سلم الضرر فعارض بتضرر الناجز والناجز والواجب دفعة عقلا ولا أولوية.
٢ - أنه خلق العبد وما ينتفع به فالحكمة تقتضى بإباحته وكيف ترى العقل يحكم يمنع أكرم الأكرمين من اغتراف غرفة من بحر لا ينزف لدفع العطش المهلك وتكليفه التعرض للهلاك كلا، والجواب بأنه ربما خلقه ليشتهيه فيصبر عنه فيثاب معارض بأنه خلقه أو ينفع به غيره فيبقى فيكون عرضة لاكتساب الثواب الكثير ودليل إبطالها بأنه إن أريد أن لا حكم بالحرج فسلم ولا يستلزم الحكم بعدم الحرج وإن أريد خطاب الشارع بعدم الحرج فلا شرع وإن أريد حكم العقل بالتنجيز يناقض ويجيء مثله في الحظر يجاب يمنع التناقض فإن المنفي حكم العقل فيه بخصوصه ولا ينافيه الحكم العام بالإباحة ودليل إبطال التوقف أن التوقف عن السمع مسلم ولتعارض الأدلة فاسد لبطلانها والجواب أنه لعدم الدليل على تعيين الحظر والإباحة في الفعل المعين وقد مر ما في فساد الأدلة وليعلم أن حكم بعض الفقهاء في مباح الأصل بالإباحة ليس إلا لأن عدم المدرك الشرعي مدرك شرعي في التحيز عندهم لقوله تعالى {قل لا أجد} الآية كما سيجيء فلا يلزم منه البناء على حكم العقل.
القسم الثاني في الحكم تعريفًا وتقسيم وأحكامًا
[الأول في تعريفه]
قال الغزالي رحمه الله هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين (١) والخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام إذا ظهر ويطلق على نفس الكلام كما أن الكلام في الأزل يسمى خطابًا والمعنيان محتملان ها هنا والأول أولى لأنه الأصل وقيد إذا ظهر لادخال خطاب المعدوم على قول الشيخ والتعريف في أفعال المكلفين للجنس مجازًا فيتناول حكم كل مكلف بخصوصه كخواص النبي عليه السلام ولو لم يكن مجازًا لتناوله أيضًا لأن المتعلق بالجميع لا يجب تعلقه بكل فرد كما لا يجب بكل جزء لكن لا بانفراده ولو قال بفعل المكلف لتناوله بانفراده وظهوره لعدم التجوز فهو أولى وإما دفعه بان مقابلة الجمعين يقتض توزيع الآحاد فذلك لأن ذلك بين الأفعال والمكلفين
(١) انظر/ المستصفى للغزالي (١/ ٥٥)، إحكام الأحكام للامدي (١/ ١٣٦)، المحصول للرازي (١/ ١٥)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (١/ ٥٤)، حاشية التلويح على التوضيع (١/ ١٣ - ١٦)، نهاية السول للإسنوي (١/ ٤٧).