فإن قلت: إن لم يذكر الآخر لم يتعقل فكيف يعرف بدونه.
قلت: يدرج الإشارة إلى الآخر بنوع تلطف مثل الأب حيوان يتولد من نطفته شخص آخر من حيث هو كذلك ولا يقال الأب من له ابن وحقيقته أن يذكر الآخر لا من حيث هو مضاف والثاني نحو النار جسم كالنفس فإن النفس المعقولة أخفى من النار المحسوسة ولذا كثر الاختلاف فيها وكذا مشابهتها إياها في أحداث الخفة أو في حفظ المزاج الحاصل من النضج ولو بوجه والثالث هو التعريف الدوري صريحًا مثل الشمس كوكب نهاري أو مضمرًا مثل الاثنان زوج أول إلى أن يعرف المتساويان بالاثنين وإنما خص هذا بالرسمي لأن الظهور والخفاء إنما يتصور بين الملزوم واللازم للاشتباه في نفس اللازم أو في الانتقال منه لا بين الكل والجزء فلا شك أن الكل أخفى من الجزء وكذا لا توقف إلا للكل على الجزء، لا يقال ربما يؤدي الجزء بلفظ خفي الدلالة على المعنى المنتقل منه ولا يكون في اللزوم خفاء؛ لأنا نقول ذلك من الضعف في الدلالة كما مر فالمراد بهذا الخفاء المعنوي ومنه يعلم سقوط ما يقال لا صورة للتعريف بالأخفى لأن المحدد مجهول من حيث هو محدد والحد من حيث هو حد معلوم وذلك لأن مجهوليته من حيث هو مرسوم كحقيقته لا ينافي ظاهريته من الرسم بوجه آخر فلم يذكروا خلل الحد اللفظي إذ ليس مخصوص بل يندرج خلله فيما ذكر كالتعريف بالأخفى وغيره.
[خاتمة]
في أن الحد الحقيقي لا يكتسب بالبرهان ويحتمل معنيين: أن لا يكتسب ثبوته للمحدود وأن لا يكتسب تعقل المحدودية أما الأول فلأنه اكتساب ثبوت الشيء لنفسه لأن الحد عين المحدود في الحقيقة سمى الشيء المجموع باعتبار نفسه محدودا وباعتبار أجزائه المفصلة حدًا.
وأما الثاني: فلأن الاستدلال على تعقل المحدود بحقيقته موقوف على تعقله بحقيقته تعقل ما يستدل عليه من جهة ما يستدل عليه فلو استفيد ذلك التعقل من هذا الاستدلال دار التوقف من جهة واحدة بخلاف التصديق فإن الموقوف عليه فيه تعقل النسبة والمطلوب إثباتها أو نفيها وبذلك سقط أم تصور المحكوم عليه من وجه كاف وأن تعقل المحدود غير مستفاد من ثبوت الحد بل من تعقله لأن كلًا منهما إنما يتوجه لو كان الاستدلال على ثبوت الحد لا على تعقله، لا يقال تعقله تصوره والمكتسب بالبرهان التصديق فأي حاجة إلى هذا البيان لأنا نقول الحاجة لبيان أن التصديق بالذاتي لا يكتسب