قال الإِمام الرازى ومن تبعه كالأرموى الحق أن التعارض في الحكمين في فعل واحد غير واقع لما مر من لزوم أحد المحذورات الثلاث وفي الفعلين والحكم واحد واقع فإن من ملك مئتين من الإبل غير بين إخراج حضر بنات لبون لقوله عليه السلام في كل أربعين بنت لبون وبين إخراج أربع حقاق لقوله عليه السلام في كل خمسين حقة والحكم الوجوب.
ومثله تحير المصلي داخل الكعبة والولي إذا وجد لبنًا يسد به رمق أحد الطفلين بحيث لو أقسم ماتا وهذا هو التعارض الذي يقول الشافعي فيه بالتخيير.
قلنا الثابت بمثله هو الوجوب المخير ولا تعارض في حقه ألا يرى أنه لا منع من الترك في كل من الأمرين وإلا كان التخير إسقاطًا للأمارتين لا عملا بهما وإن لم يتساويا فإن زاد أحدهما بما هو لينزلة التابع تعارض فيه ترجيح وهو الذي نذكر حكمه في ركن الترجيح ولا بد من ظنيتهما ثبوئا أو دلالة سواء كانا منقولين كالنص والإجماع أو معقولين كالقياسين أو مختلفين كما مر أن القياس يخصص العام المخصوص والتخصيص بطريق التعارض وإن زاد أحدهما لا بما هو تابع فلا تعارض إذ لا تساوي لا حقيقة كما في الأول ولا حكمًا كما في الثاني كما بين القطعي والظني بين منقولين أو مختلفين.
٢ - أن اتحاد النسبة يحقق التناقض المستلزم للتعارض ولذا يدفع التعارض كثيرًا بمنع وحدة المحل أو الزمان أو غيرهما.
٣ - إن الدليلين الغير المتقابلين والغير المتساويين أصلًا كالقسم الثالث وما ليس بينهما اتحاد النسبة كما في اختلاف المحل من مقتضى حل المنكوحة وحرمة أمها أو حلها لزوجها وحرمتها لغيره أو مع اختلاف الزمان كحرمة الوطئ حالة الحيض وحله في غيرها لا تعارض بينهما.
الثاني: في حكمه فإما بين نصين آيتين أو قراءتين أو سنتين قولين أو فعلين أو مختلفين أو آية وسنة في قوتها كالمشهور والمتواتر أو غيرهما فحين لا علم بالمتأخر الناسخ ولا جمع بوجه آخر مما سيأتى كالمسمى بالعمل بالشبهتين فالتخيير عند القاض والجبائيين كما مر ومر فساده وعند غيرهم أن يترك العمل بهما ويصار إن أمكن من الكتاب إلى السنة ومنها إلى قول الصحابة رضي الله عنهم إن قدم مطلقًا كما قال فخر الإسلام أو فيما لم يدرك بالقياس كما قال الكرخي ومنه إلى القياس وإن لم يقدم كما ذكر السرخسي رحمه الله فهو في رتبة القياس فيعمل يما يؤيده شهادة القلب منهما وإن لم يمكن فيعمل