فليتخير أيسرهما" (١) كما يجوز للخائف عن النار إيقاع نفسه في الماء وكما يجوز أن يحلف كاذبًا لمصلحة حفظ الوديعة فقد ظهر من توجيهنا الجواب عن نفيه أما الاعتراض بأن الحسن لازم الكذب وهو تخليص النبي لا هو وكذا بأن التخلف لمانع لا يقدح في الاقتضاء فقد رد بأن الذاتية تمنعهما، وفيه بحث لأن المراد بالذاتية ليس الجزئية أو العينية بل كونهما مقتضى الذات فلا يرتدان بذلك والتحقيق الحاسم للشبه أن المراد بالاختلاف التنافي في الصفات الحقيقية فإن لوازم الأمر الواحد لا يتنافى لأن تنافي اللوازم ملزوم تنافي الملزومات والتقدير أن الحسن لكل حسن والقبح لكل قبيح لازم. الثاني: أنهما لوكانا تبيين لكل من موصوفاتهما لاجتمع النقيضان في قوله لأكذبن غدًا فقيل لأنه إذا لم يتكلم غدًا إلا كلامًا واحدًا فالكلام الغدى إن صدق استلزم الكذب اليومي وإن كذب استلزم صدقه فاجتمع الصدق والكذب أحدهما من نفسه والآخر من استلزمه فإن مستلزم الحسن أو القبيح حسن وقبيح ويمكن تنزله في الكلام اليومي أيضًا لكنه موقوف على فرض الوحدة في الكلام الغدى وعلى أن المستلزم متصف بصفة لازمة فالصحيح أن ينزل في الأخبار بجواب القسم فإنه خبر لا يخ عن الصدق والكذب والإنشاء تعلق القسم به ويقال صدق أخباره وقوع الذي هو الكذب غدًا في الجملة وكل ما هو وقوع الكذب فقبيح وكذا كذبه انتفاء الكذب وكل منه حسن فكل من صدقه وكذبه حسن وقبيح ولا تغفل عن نكتتنا مع الأشاعرة، وللأشاعرة الوجهان، وثالث وهو أنهما لوكانا ذاتين لزم قيام المعنى بالمعنى بخلاف ما لو كانا شرعيين فإنه أمراض في إما الملازمة فلأن الفعل معنى والحسن معنى فالأول ظاهر والثاني لأنه موجود زائد على مفهومه تابع في تحيزه وذلك معنى المعنى أما وجوده فلأن نقيضه وهو الأحسن سلب لصدقه بالاشتقاق على المعدوم إما بالضرورة وإما بأنه لو لم يصدق لصدق الحسن عليه فلم يكن وصفًا ذاتيًا لأن المعدوم لا ذات له فكيف لصفته والحسن من صفات التابعة للوجود عندهم وحاصله أن صدق اللاحسن على المعدوم ثبت المدعي وإن لم يصدق بطل مدعاكم وكل ماكان نقيضه سلبًا كان هو وجودًا وإلا لارتفع النقيضان وإما زيادته فلتعقل الفعل بدونه وإما تبعيته في لخيزه فلأنه حيث الفعل ولذلك يوسف به ها هنا وإن
(١) لا يعرف: لكن يستأنس له بقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: ما خيّر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا. انظر/كشف الخفاء لعجلوني (٢/ ٣٠٤).