الشكر إما لأنه تصرف في ملك الغير بدون إذنه وإما لأية كالاستهزاء من حيث أن ليس للنعمة قدر يعتد به بالنسبة إلى مملكة منعمها فوجود العبد وبقاؤه وسائر كما لأنه من الله تعالى كإعطاء من ملك الخافقين فقيرًا لقمة خبز بل أدنى بكثير ومن حيث أن شكرها لا يليق بمصب منعمها فطاعة العبد مدة عمره كشكر الفقير بتحريك الأنملة والحيثية الأولى غيركافية لأن شكر نعمة لها قدر بالنسبة إلى حاجة المنعم عليه لا يعد استهزاء ولا نقض بوجوبه الشرعي لأن الإيجاب الشرعي لا يستدعي فائدةً ولأن فائدته أخروية ويستقل الشرع ببيانها وفيه بحث من وجوه:
١ - أنه إن أريد بالفائدة ثبوتها فلا نعلم أنه يستلزم الاستكمال في الله تعالى إنما الاستكمال بقصدها لا بثبوتها، وإن أريد قصدها حين الإيجاب فلا نعلم أن عدمه يستلزم العبث فإن الوجوب إنما يكون عبثًا لو لم يترتب عليه ثواب أو لم يتعلق بتركه ذم لا سيما عند من يرى عدم صفة موجبة للقبح كافيًا في حسن الفعل.
٢ - أن الفائدة مرادًا بها أمر زائد على حصوله فالأفعال قد تكون حسنة لذواتها عند متقدمي المعتزلة ومرادًا بها الأعم ممنوع بطلان التالي لجواز وجوبه لفائدة دنيوية هي نفس الشكر الذي يربو على التعب الناجز كحفظ النفس على تعب الجهاد لا يقال الفائدة الدنيوية حظ النفس في اللذة أو وسيلتها ودفع الألم أو وسيلته لأنا نقول على تقدير تسليمه يتضمن الشكر المفسر بالصرف المذكور التلذذ بالمشتهيات الجائزة الفاخرة والتعيش الناعم مدة العمر بالأموال الوافرة ليتوسل به إلى تحصيل الكمالات النفسية التي يلتذ بها فوق التذاذها بالملذات الوهمية والحسية.
٣ - أن التصرف في ملك الغير إنما يقبح فيما فيه احتمال التضرر لما سيجيء ما قد قيل إن الأصل الإباحة.
٤ - أن الاستهزاء بالنسبة إلى المنعم لا ينافي عدمه بالنسبة إلى المنعم عليه وإن كان من مجموع الحيثيتين والمعتبر هو الثاني ولأنه يحتمل التنبيه بقلبه على العجز عن استيفاء حقه كما قال أعلم الخلق بالله تعالى "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"(١) وقد قيل الخوض في طلب الإدراك إشراك والعجز عن درك الادراك إدراك وربما يستدلون بأنه لو وجب لعذب بتركه قبل البعثة إما الزاميًا لعدم تجويزهم العفو أو تحقيقيًا كمعنى لاستحق العذاب بتركه ولم يأمن من وقوعه والتالى باطل لقوله تعالى {وَمَا كنَّا مُعَذَّبينَ