وثانيًا: أن كل خبر وإنشاء للمحال فيلحق بالأغلب، قلنا قياس في اللغة وأنه للاستقبال بخلافهما. وثالثًا: أن النهي للفور فهكذا هو لأنه مثله أو لأنه نهي عن الضد، قلنا قد مر جوابهما ولأن النس يفيد التكرار دونه.
ورابعا: ذم إبليس في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ}[ص: ٧٥]، الآية على ترك المبادرة والألم بتوجه، قلنا: أمر مقيد بقوله فإذا سويته والكلام في المطلق وبمثله يراد الفور عرفا، أما أن فاء التعقيب قرينة الفور فلا؛ لأنها جزائية ليس من موجبها التعقيب ولذا قال أبو حنيفة: يكبر القوم مع الإِمام مع قوله عليه السلام: "إذا كبر الإِمام فكبروا"(١).
وخامسا: أنه لو جاز التأخير شرعا لوجب أن يعرف وقته وإلا كان تكليفا بألح سواء كان آخر أزمنة الإمكان أولا، ولا دلالة عليه ولا يجاب بالنقض بالتصريح كافعل متى شئت لأن فيه دلالة على التعميم فليس مثله بل بأن المعرفة إنما يجب لو وجب التأخير ولم يكن وقته مسترسلا بل معينا وليس فإن عدم التعيين إطلاق عرفا.
وسادسا: أن النصوص نحو: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ}[آل عمران: ١٣٣]، والمراد سببها اتفاقا وهو فعل المأمور به واستبقوا الخيرات وفعله منها أوجبت الفور، قلنا دلالتها على أفضلية الفور لا الوجوب وإلا فلا مسارعة ولا استباق إذْ لا يتصوران في المضيق ولئن سلم فليس في جميع أسباب المغفرة إذ لا عموم للمقتضي وإن سلم فبدليل منفصل وهو هذه الأوامر ولا نزاف فيه.
وسابعًا: أنه لو جاز التأخير فإلى أمد إذْ لوكان إلى أبد جاز تركه فلا يكون واجبا فلابد من تعيينه وإلا لكان التكليف بامتناع تأخيره عن ذلك الأمد لا بالأداء إليه كما ظن تكليفا بالمح ولا ذم إلا بذلك وغايته النوعي كحد يغلب على الظن فيه إن عدم يفوته وذلك بأمارة كالمرض فلا يجب على من ليست فيه كمن كموت فجأة فلا يكون الواجب شاملا والكلام فيه.
قلنا: منقوض بقوله افعل متى شئت وبالموسعات العمرية وليس التمسك ها هنا بعدم
(١) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (٣/ ٣٤) ح (١٥٧٦)، وابن حبان في صحيحه (٢/ ١٢٨) ح (٤٠٢)، وابن عوانة في مسنده (١/ ٤٥٤) ح (١٦٨١)، والبيهقي في الكبرى (٢/ ١٤١) ح (٢٦٥٢)، والدارقطني في سننه (١/ ٣٣٠)، والنسائي في الكبرى (١/ ٢٢٢) ح (٦٥١)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (١/ ٢٣٨)، والإمام أحمد في مسنده (٢/ ٤٣٨) ح (٩٦٥٠).