عليه، وأما الآخران فلا يصلحان سببا للاقتصار كما ظنوا إذ لا ينافيان الاستلزام كما خصص بأمر الوجوب دون الندب للزوم إبطال المباح إذ ما من وقت إلا ويندب فيه فعل فإن استغراق الأوقات بالمندوبات مندوب فلو كان ضده مكروهًا لم يكن مباح بخلاف استغراقها بالواجبات.
وأما فقدان الذم على الترك فليس داعيا؛ لأن التنزيه على الترك ها هنا كاف، ومن لم يقل بأنه إيجاب إلا للشرعية؛ لأن الملاحظة أعني للشارع تختص بها فقد نفي، إما في غير الشرعي فلأن السكوت لا يصلح دليلا إلا يرى أن الأمر لا يصلح للإيجاب في غير مدلوله وقد وضع له فلان لا يصلح للتحريم ولم يوضع له أولى وأما في الأمر الشرعي فلأن البحث لغوي ويكفي في الشرعي الاتفاق على الإيجاب في بحه المقدمة فاعلم أن الحق الذي ذهب إليه أصحابنا ثبوت الاستلزام من الطرفين في الجملة ولا يرو الالزام الفظيع وإبطال المباح لعدمة فيهما ولما مر في تلك المسأله أن الفعل الواحد يجوز اتصافه بالحرمة والوجوب أو به وبالإباحة وعارضا والاعتبار في نوط الثواب والعقاب لجهة في ذاته لكونه أقوى وأن الملاحظة غير واجبة للأحكام اللزومية سيما الاقتضائية. ولذا لم يثبت المقتضي لكونه غير مقصود إلا بقدر ما يندفع به الضرورة ولذا اختاروا وجوب جميع مقدمات الواجب كما مر ويقرر الأصل ها هنا عند المتأخرين المحققين على أن تحريم ضد المأمور به أن قصد كما في قوله تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ}[البقرة: ٢٢٢]، فلا كلام فيه وإلا فلم يعتبر تحريمه إلا حال تفويته الَمأمور به كالإفطار للكف المستدام المستفاد من قوله تعالى:{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧]، فإذا لم يفوته اقتضى كراهته؛ لأن الضرورة تندفع به كالأمر بالقيام في قوله عليه السلام:"ثم ارفع رأسك حتى تستوي قائما"(١) ليس ينهى عن القعود قصدًا فيكره الصلاة لو قعد فقام ولم يفسد به.
وكذا النهى قيل يقتضي كون الضد في معنى سنة واجبة أي موكدة فإنها قريبة منها والمختار أنه يحتمل اقتضائه فقال الجصاص هذا منقوض بقوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ}[البقرة: ٢٢٨]، الآية حيث أوجب ضده وهو الإظهار لكونه ضدًا واحدًا بخلاف نهي المحرم عن لبس المخيط فلم يوجب لبس شيء متعين غيره، ولذا وجب قبول قولها فيما تخبر به من حيض أو حبل أو غيرهما، قلنا: إذا لم يفوت عدم الضد ترك المنهي