على إن الحقيقة العرفية متقدمة على اللغوية ولأن الأصل براءة الذمة عن الثانية إذ تقليل خلاف الأصل هو الأصل وظاهر الأمر مطلق الإيجاب لا الإيجاب المستأنف والاحتياط في الإيجاب معارض به في التأكيد عند التحريم كقوله للجلاد اجلد الزاني مائة مكررًا.
الرابع عشر: في أن الأمر المطلق عن دليل عينية الحسن وغيريته يتناول الضرب الأول من القسم الأول وهو حسن لعينه لا يقبل السقوط لوجهين:
١ - أن الأمر لما اقتضى الحسن ضرورة حكمة الأمر فكماله الحاصل الإطلاق يقتضي كماله.
٢ - أن لما أوجب كون المأمور به عبادة حسنة لذاتها لكونها تعظيم الله فكذا كماله فالحسن الأول سابق، والثاني لأحق فغير الضرب الأول محتمله لا يصرف إليه إلا لدليل على جواز سقوطه كالصلاة أو شبهه بها كالزكاة أو غيره كالوضوء والجهاد وغيرهما وذهب شرذمة إلا أنه يثبت الحسن لغيره لأنه مقتضى ضروري ولا يثبت به إلا الأدنى.
قلنا: على الطريق الأخير موجب لا مقتضى ولئن سلم فالاقتضاء ينافي العموم لا الكمال وفيه الكلام.
فرع: قال زفر والشافعى: فأمر الجمعة يوجب حسنها وإن لا يشرع لمن تناوله كغير المعذور إلا هي، لأن فرض الوقت واحد منهما إجماعا ولما تعينت لدفع الظهر فلا يجوز هو ما لم يفت الجمعة ولمن لم يتناوله كالمعذور إلا الظهر فإذا أداه لم ينتقض بالجمعة ويردان لا يجوز لو أداها قبله وذا خلاف الإجماع فالصحيح عنهما إن المعذور مخير بينهما فأيهما أدى لا ينتقض بالآخر كمكفر اليمين بإحدى خصالها وقلنا الأصل مسلم والنزاع في كيفية تناول الأمر فلا نعلم لنها بنسخ الظهر وألا يقضى هو بل هي بأدائه بها وإقامتها مقامه فأمر غير المعذور بنقصه بها بعد أدائه وقبلها كما أمر بإمقاطه قبله وكيف لا يبقى الظهر مشروعا في حقه وللجمعة شرائط لا يتمكن من تحصيلها بنفسه فيجوز الظهر الذي أداه قبلها لأن عدم الوجوب لا يمنع الصحة غير أنه آثم للنهى عنه وهو لمعنى في الجمعة فلا يقتضي فساده وهذا متحقق في حق المعذور أيضًا لعموم النص لكن رخص له في تركها ترفيها ورخصة الترفيه تقرر العزيمة لا تسقطها كيف ولو لم ينتفض ظهره بعد ما صلى الجمعة بل فسدت هي عاد الترخيص على موضوعه بالنقض إذ هو حرج ليس في غير المعذور فكيف فيه أما إبطال الظهر فلا كمال ولذا لو شرع المعذور فيها وخرج الوقت قبل التمام يلزمه قضاؤه عتدنا استحسانا لا عندهما.