استحساني نظرًا إلى حقائقها يقتضي القبض والقياس لا يفصل الفصل من الوصل لأنها عقود شرعا فكان نحو اشتريت منه فلم اقبض بيان تقرير وكذا دفع إلى أو نقد لكن لم اقبض عند محمد - رحمه الله - لشيوع الاستعارة له كالإعطاء إطلاقا لاسم المسبب خلافًا لأبي يوسف رضي الله عنه لاختصاصهما بالتسليم لغة وشرعا بخلاف الإعطاء المستعمل بمعنى الهبة فكان رجوعا فلا يقبل أصلا.
وكذا عندهما لو أقر به قرضًا أو ثمن مبيع وقال هو أو وهو زيوف فلتنوع الدراهم لم يكن رجوعا ولغلبة الجياد حتى تنصرف عليها مطلقا صار الزيوف كالمجاز فكان تغييرا والإمام - رحمه الله - يجعله رجوعا لأن الزيافة عارضة وعيب لا يحتملها مطلق الاسم فلا يقبله مطلقا كدعوى الأجل في الدين والخيار في البيع؛ لأن مقتضى مطلقهما الحلول واللزوم.
ولو قال على ألف من ثمن جارية باعينها لكنى لم أقبضها لم يصدق عنده أصلا سواء صدقه في البيع أم لا بل ادعى الالف مطلقا أو من جهة أخرى كالقرض والغصب لأنه رجوع فإن إنكار القبض في غير المعين ينافي الوجوب وقالا يصدق مع التصديق في البيع وإن فصل لثبوته حينئذ بتصادقهما وليس إقرارًا بالقبض ومع التكذيب فيه إن وصل لأنه تغيير من جهة أن الأصل في البيع وجوب المطالبة بالثمن وعدم قبض المبيع محتمل البيع لا من العوارض.
قلنا: وجوب الثمن لمبيع لا يعرف أثره دلالة قبضه ولذا يقال غير المعين كالمستهلك والدلالة كالصريح.
خامسها: أن الاستثناء يجرى في اللفظ لا في الفعل خلافًا لأبي يوسف فإذا أودع الصبي العاقل الحجور عليه شيئًا فاستهلكه يضمن عنده لتنوع التسليط إلى الاستحفاظ وغيره كالإباحة والتمليك والتوكيل والنص على الحفظ جعل غيره وعدم ولاية الصبى عليه لا يبطله؛ لأن الاستثناء تصرف للناطق على نفسه فيثبت الاستحفاظ لكن لا يتعدى إلى الصبى لعدم الولاية عليه فانعدم، وصار كالملقى على الطريق فيؤاخذ به؛ لأنه ضمان فعل كما قبل الإيداع، وفالا: الاستثناء كم اللفظ والتسليط فعل كيف وهو مطلق لا عام إذ لا عموم للفعل.
ولئن سلم فالأمر بالحفظ قول ليس من جنس الدفع فيكون منقطعا معارضا له إن صح شرعا مثل قول الشافعي رضي الله عنه في المتصل لكن لا يصح إذ ليس المخاطب من أهل الالتزام بالعقد فيبقى تسليطا مطلقا فلا يضمن بالاستهلاك كما بتضييع الوديعة.