أثره ليس بتحقيق كما مر أن اختلافهما اعتباري وفي الحقيقة شيء واحد لأن ارتفاع الأثر اللازم يوجب ارتفاع الملزوم فإن أريد التعلق بالوجه الذي قررناه فذلك هو هو.
الثالط في جوازه: أجمع أهل الشرائع على جوازه إلا غير العيسوية من اليهود ففرقة منهم عقلا وفرقة سمعا وكذا على وقوعه غلا أبا مسلم الأصفهاني لأن كلاهما يسمى نسخا تخصيص عنده والحكم الأول مقيد بالغاية حتى في الشرائع المتقدمة إلى ظهور خاتم الأنبياء عليه السلام وبذا يعلم أن ليس النزاع في إطلاق لفظ النسخ وكيف يتصور من المسلم وقد ورد في القرآن بل في ورود نص على خلاف حكم نص سابق غير موقت والحق أن بشارة موسى وعيسى عليهما السلام بشرع محمد عليه السلام يحتمل أن تكون لتفسيره أو تقريره أو نسخ البعض وغير لازم منه توقيت جميع أحكامهم المنسوخة.
لنا في مجرد جوازه القطع به عقلا أما إذا لم يعتبر المصالح أي للعباد فالله غني عن العالمين فظاهر لأن الله يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وأما إذا اعتبرت تفضلا على ما عليه الفقهاء فلجواز اختلاف مصلحة الفعل أو الأمر باختلاف الأوقات وعلم الخبير القدير به وإن كان غيبًا عنا كشرب الدواء ففي ذلك حكمة بالغة لا بداء كما في الإماتة والإحياء وفيهما أمر آدم باستحلال الأخوات والجزء كحواء ونسخ في سائر الشرائع.
قيل: بناؤه على حجية شرع من قبلنا ما لم يرد مخالفه فأولى منه أن يقال ثم حرم عليه إذا وجد أولاد أولاده لاندفاع ضرورة التناسل وليس بشيء لأن الكلام ها هنا في مطلق النسخ لا في النسخ بشريعتنا أما وجوب الختان يوم ولادة الطفل في شريعة موسى عليه السلام بعد جواز تركه في شريعة إبراهيم عليه السلام وحرمة جمع الأختين عندهم بعد جوازه في شريعة يعقوب عليه السلام والسبب بعد جوازه قبلهم فقيل لا يصلح للتمسك لأن كلا منهما رفع الإباحة الأصلية ولا ترد بأن الإباحة فيها بالشريعة فإن الناس لم يتركوا سدى في زمان لأن تقييد الحكم بالشرعي مستدرك حينئذ بل بأن سكوت الأنبياء عند مشاهدتها تشريع منهم فكانت أحكامًا شرعية.
لليهود أولا قول موسى عليه السلام تمسكوا بالسبت ما دامت السماوات والأرض وهذه شريعة مؤبدة عليكم فإنه متواتر قلنا على أن التأبيد قد يستعمل في الزمان المديد لا نعلم أنه قوله ومتواتر كيف وكتابهم محرف لا يصلح حجة ولذا اختلف نسخها ولم يجز الإيمان بالتورية التي فيهم بل يجب بالتي أنزل على موسى عليه السلام وكيف يتواتر بعد بخت نصر وقد قتل علماء اليهود شرقا وغربا واحرق أسفار التوراة قيل اختلقه ابن الراونى ويؤيد كونه مختلقا أنهم لم يحتجوا به للنبي عليه السلام وإلا لاشتهر عادة ولو كان