وثالثا: أن النسخ يقتضي تحقق المنسوخ ليكون بيانا لانتهاء حسنه وقبح ما يتصور من أمثاله ولما لم يتحقق قبل الفعل بعد التمكن إلا عقد القلب مع الاتفاق في جواز نسخه علم أن محكم المقصود من الأمر ذلك وعمل البدن الروائد كالتصديق والإقرار في الإيمان.
أما التمسك بأن التكليف ثابت قبل وقت الفعل فيجوز رفعه بالنسخ كما بالموت من حيث يمكن مع ثبوت التكليف مع الموت لأن شرطه الحياة عقلا فلا رفع وبأن كل تكليف قبل وقت الفعل أو معه أو بعده لا نسخ لتعين الإطاعة والعصيان من حيث إن ليس كل نسخ كمحل النزاع لجواز أن يكون قبل وقت الفعل وبعد التمكن بوجود الوقت الذي يسعه وبقصة الذبح حيث أمر به لقوله تعالى:{افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات: ١٠٢] ولا قدامه وترويعه ونسخ قبل وقته لأنه لم يفعل فلو حضر وقته كان عاصيا من حيث إمكان أن يكون موسعا وقد انقضى منه ما يسعه ولا يعصي به ومثل هذا التعلق بالمستقبل لا يمنع النسخ عندهم ولا يرد لو كان موسعًا لآخر الإقدام والترويع رجاء أن ينسخ أو يموت فمثله من عظائم الأمور يؤخر عادة لأنا لا نعلم عدم التأخير فكونها في أول أوقات الإمكان غير معلوم أو من حيث أنه ليس بنسخ كما مر فإن الاستخلاف ليس نسخا.
ويكون مقرر للأصل وفائدة الأصل ابتلاؤهما بالانقياد وحرمة الذبح بعد الفداء حرمة أصلية معتادة كاستخلاف عقد الذمة عن الحرب لا شرعية ليقال التحريم بعد الوجوب نسخ لا من حيث أنه لم يؤمر بل يوهمه من الرؤيا أو لم يؤمر إلا بمقدمات الذبح وقد فعلها أو أنه ذبح لكن كان كلما قطع شيئًا التحم عقيبه أو خلق صفيحة نحاس يمنعه إذ لولا الأمر لم يقدم على المحرم ولما سماه بلاء مبينا ولما احتاج إلى الفداء ولكان على أصلهم توريطا لإبراهيم عليه السلام في الجهل بما يظهر أنه أمر وليس نقله معتبرًا والأمر بالذبح مع الصحيفة تكليف بالمحال فلا يجوز عندهم فليس شيء منها بشيء.
ولهم بعد ما مر من البداء أن الفعل لا بد من وجوبه وقت النسخ وإلا فلا رفع فلو عدم وجوبه به لكان مأمورا به وغير مأمور به حينئذ قلنا إن صح منع النسخ مطلقا وحله جواز كونه مأمورا به في وقت وجائزا تركه في وقت بعده هو وقت النسخ وكلاهما قبل وقت الفعل المقدر له شرعا فلا تناقض كذا قيل وحاصله أن زمان التكليف متعدد وإن اتحد زمان الفعل ولا يتم إلا مع حديث الاستصحاب المار إذ لا نسخ وقت الوجوب.
وها هنا مسائل
الأولى: شرط بعضهم في نسخ التكليف تكليفا يكون بدلا عنه أي خطابا لا وضعيا