للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها بأن لم يخبر بخلاف الاعتقاد أو الظن وهذا إلزامي يفيدان عدم مطابقة الواقع ليس بمعتبر في الكذب لا كلا ولا جزعًا فيبطل به المذهبان الأخران فلا حاجة إلى دعوى الصدق معها أو تحقيقي طوى فيه وإذا لم يكن كذبًا كان صدقًا إذ لا واسطة بالعرف وجوابه لا نعلم أن دعوى التبرؤ عن مطلق الكذب بل عن الكذب العمدي الموجب للملامة وقريب منه قول عائشة رضي الله عنها ما كذب ولكنه وهم حيث نفى الكذب عما يخالف الواقع فمرادها رضي الله عنها ما كذب عمدًا.

وثانيًا قوله تعالى {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] بعد قولهم {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] حيث كذبهم فيه مطَابقًا للواقع لا للاعتقاد فدل أنه دعم مطابقة الاعتقاد فقط وجوابه لا نعلم أن التكذيب فيه بل في نشهد لا في نفس مدلوله قطعًا لاحتمال كونه إنشاء بل فيما يتضمنه من أنا نقوله عن علم للعرف أو أنا مستمرون عليها غيبة وحضور للفعل المضارع المنبئ عن الاستمرار أو أن شهادتنا عن صميم القلب للتوكيد أو إخبارنا هذه شهادة أو المراد شأنهم الكذب وإن صدقوا في هذه القضية خاصة ولئن لمنا أن في المشهود به لكن لا في الواقع لصدقهم فيه بل في زعمهم الفاسد ويمكن إلحاقه بالمنع الأول لأن التكذيب على الحقيقة في قولهم إنا كاذبون المذكور حكمًا.

للجاحظ قوله تعالى حكايته لكلام أهل اللسان من الكفار في رد قولهم {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: ٧] ليتوسلوا به إلى التكذيب في دعوى الرسالة من قولهم {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: ٨] حيث حصروا كلامه في كونه افتراء أو كلام مجنون وليسَ مرادهمَ باَلثاني الصدق لأنهم لم يعتقدوا صدقه ليريدوه بل عدم صدقه ولا الكذب لأنه قسيمه أو إضراب عنه وما ذلك إلا لأن المجنون يقول لا عن قصد واعتقاد فهو خبر خال عن الاعتقاد غير مطابق للواقع على زعمهم فلا يرد لا يلزم من ثبوت الواسطة على زعمهم ثبوتها في الواقع.

وجوابه من وجهين:

١ - أن الافتراء هو الكذب عن عمد لغة فلا يرد أن التقييد خلاف الأصل فالمعنى أقصد الكذب أو لم يقصد فعبر عنه بملزومه إذ المجنون لا افتراء له وذا يصح أن يكون كذبًا لأن نقيض الأخص لا يباين الأعم فالحصر للكذب في نوعيه.

٢ - أن المعنى أقصد فيكون خبرًا وكذبًا وغير الخبر وحاسم هذا النزاع الإجماع على أن اليهودي إن قال الإِسلام حق يحكم بصدقه أو باطل يحكم بكذبه والمسألة لغوية لكن

<<  <  ج: ص:  >  >>