وثالثًا: للإجماع على أن شريعته ناسخة كل الشرائع وذا يمنع تعبده بها.
قلنا عن الكل ما سيأتى من أدلة الموافقة غيرت الأصل إليها ولئن سلم فالخصوص بتبديل حكم ما حصل أما النسخ فمقرر لأنه مبين لمدة ما انتهت مدته لا رافع فظاهره الموافقة في سائر الأحكام أو المنسوخ خارج عن الأصل بالدليل فيبقى الباقي على الأصل.
وقيل يلزمنا مطلقًا ما لم يثبت انتساخه فأولا للنصوص كقوله تعالى:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام: ٩٠] والهدى اسم الإيمان والشرائع جميعًا لقوله تعالى: {أُولَئكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}[البقرة: ٥] بعد وصف المتقين بالكل وكقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}[المائدة: ٤٤] الآية ونبينا عليه السلام من جملتهم وكقوَله تعالىَ: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}[النحل: ١٢٣]، و {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}[الشورى: ١٣] والملةَ والدين اسم الكل.
لا يقال هذه العمومات مخصوص عنها لثبوت نسخ البعض قطعًا فيخص بالعقائد جمعا بينها وبين الأدلة السالفة.
لأنا نقول على أن النسخ مقرر كما مر لا يقتضي الأدلة السابقة المخصوصة بالعقائد بل مطلقة ويكفى فيه تبديل حكم ما.
وثانيًا: لأن الشرع ما ثبت حقيقته دينًا لله ودين الله تعالى مرضى عنده والمرضى عنده مرضى عند كل الأنبياء لقوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[البقرة: ٢٨٥]، و {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}[البقرة: ٩٧] فصار الأصل الموافقةَ.
وثالثًا: لأن الشرع ما أنزل الله فمن واجب الإيمان أن لا يحكم إلا به {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]، و {الظَّالِمُونَ}[المائدة: ٤٥]، و {الْفَاسِقُونَ}[المائدة: ٤٧].
وقيل يلزمنا ذلك لكن على أنه شريعتنا خص أو لا علم نقل أهل الكتاب أو برواية المسلمين عن كتابهم أو ثبت بالقرآن أو السنة.
فأولا لقوله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا}[فاطر: ٣٢] اوالموروث عين ما كان قبل. وثانيًا: لخبر التهوك ولولا أن شريعة موسى عليه السلام شريعة لنا لما كان موسى متبعًا لنبينا عليه السلام وبدل عليه نصه عليه السلام بقوله عليه السلام "أنا أحق بإحياء