وكبيرها، فإما إلى النعيم المقيم، وإما إلى عذاب خالد في سواء الجحيم، فكانوا يقضون حياتهم بين الخوف والرجاء يرجون رحمة ربهم ويخافون عذابه، وكانوا: يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ وكانوا يعرفون أن الدنيا بعذابها ونعيمها لا تساوي جناح بعوضة في جنب الآخرة، وكانت هذه المعرفة القوية تهون لهم متاعب الدنيا ومشاقها ومرارتها، حتى لم يكونوا يكترثون لها ويلقون إليها بلالا.
٥- القرآن-
وفي هذه الفترة العصيبة الرهيبة الحالكة كانت تنزل السور والآيات تقيم الحجج والبراهين على مبادئ الإسلام- التي كانت الدعوة تدور حولها- بأساليب منيعة خلابة، وترشد المسلمين إلى أسس قدر الله أن يتكون عليها أعظم وأروع مجتمع بشري في العالم- وهو المجتمع الإسلامي- وتثير مشاعر المسلمين ونوازعهم على الصبر والتجلد، تضرب لذلك الأمثال، وتبين لهم ما فيه من الحكم: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة: ٢١٤] الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ [العنكبوت: ١، ٢، ٣] .
كما كانت تلك الآيات ترد على إيرادات الكفار والمعاندين ردا مفحما، ولا تبقي لهم حيلة، ثم تحذرهم مرة عن عواقب وخيمة- إن أصروا على غيهم وعنادهم- في جلاء ووضوح، مستدلا بأيام الله، والشواهد التاريخية التي تدل على سنة الله في أوليائه وأعدائه، وتلطفهم مرة، وتؤدي حق التفهيم والإرشاد والتوجيه، حتى ينصرفوا عما هم فيه من الضلال المبين.
وكان القرآن يسير بالمسلمين في عالم آخر، ويبصرهم من مشاهد الكون، وجمال الربوبية، وكمال الألوهية، وآثار الرحمة والرأفة، وتجليات الرضوان ما يحنون إليه حنينا لا يقوم له أي عقبة.
وكانت في طي هذه الآيات خطابات للمسلمين، فيها يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم، وتصور لهم صورة أعدائهم من الكفرة الطغاة الظالمين، يحاكمون، ويصادرون، ثم يسحبون في النار على وجوههم، ذوقوا مس سقر.
٦- البشارات بالنجاح
- ومع هذا كله كان المسلمون يعرفون منذ أول يوم لاقوا فيه الشدة والإضطهاد- بل ومن قبله- أن الدخول في الإسلام ليس معناه جر المصائب