للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال لهم: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي- يعني المسلمين- قالوا: نعم «١» .

[شيطان يكتشف المعاهدة]

ولما تم إبرام المعاهدة، وكان القوم على وشك الإنفضاض، اكتشفها أحد الشياطين، وحيث جاء هذا الإكتشاف في اللحظة الأخيرة، ولم يكن يمكن إبلاغ زعماء قريش هذا الخبر سرا ليباغتوا المجتمعين وهم في الشعب، قام ذلك الشيطان على مرتفع من الأرض، وصاح بأنفذ صوت سمع قط: يا أهل الأخاشب- المنازل- هل لكم في محمد والصباة معه؟ قد اجتمعوا على حربكم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أزب العقبة، أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك» . ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم «٢» .

[استعداد الأنصار لضرب قريش]

وعند سماع صوت هذا الشيطان قال العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» ، فرجعوا وناموا حتى أصبحوا «٣» .

[قريش تقدم الإحتجاج إلى رؤساء يثرب]

ولما قرع هذا الخبر آذان قريش وقعت فيهم ضجة أثارت القلاقل والأحزان، لأنهم كانوا على معرفة تامة من عواقب مثل هذه البيعة ونتائجها بالنسبة إلى أنفسهم وأموالهم، فما إن أصبحوا حتى توجه وفد كبير من زعماء مكة وأكابر مجرميها إلى مخيم أهل يثرب، ليقدم احتجاجه الشديد على هذه المعاهدة. فقد قال:

يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم «٤» .

ولما كان مشركو الخزرج لا يعرفون شيئا عن هذه البيعة، لأنها تمت في سرية تامة، وفي ظلام الليل، انبعث هؤلاء المشركون يحلفون بالله: ما كان من شيء، وما علمناه،


(١) ابن هشام ١/ ٤٤٣، ٤٤٤، ٤٤٦.
(٢) ابن هشام ١/ ٤٤٨.
(٣) زاد المعاد ٢/ ٥١.
(٤) نفس المصدر ١/ ٤٤٨.

<<  <   >  >>