وقد وقعت هذه الوقعة في الظروف التي يبلغ نبأها إلى معظم المعمورة المتحضرة إذ ذاك، فالحبشة كانت لها صلة قوية بالرومان، والفرس لا يزالون لهم بالمرصاد، يترقبون ما نزل بالرومان وحلفائهم، ولذلك سرعان ما جاءت الفرس إلى اليمن بعد هذه الوقعة، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر. فهذه الوقعة لفتت أنظار العالم ودلته على شرف بيت الله، وأنه هو الذي اصطفاه الله للتقديس، فإذن لو قام أحد من أهله بدعوى النبوّة كان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة، وكان تفسيرا للحكمة الخفية التي كانت في نصرة الله المشركين ضد أهل الإيمان بطريق يفوق عالم الأسباب.
وكان لعبد المطلب عشرة بنين، وهم: الحارث والزبير وأبو طالب، وعبد الله، وحمزة، وأبو لهب، والغيداق، والمقوم، وصفار، والعباس، وقيل: كانوا أحد عشر، فزادوا ولدا اسمه قثم، وقيل: كانوا ثلاثة عشر، فزادوا عبد الكعبة وحجلا، وقيل: إن عبد الكعبة هو المقوم، وحجلا هو الغيداق ولم يكن من أولاده رجل اسمه قثم، وأما البنات فست وهن:
أم الحكيم- وهي البيضاء- وبرة وعاتكة وصفية وأروى وأميمة «١» .
٣- عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم
- أمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة، وكان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب، وأعفهم وأحبهم إليه، وهو الذبيح، وذلك أن عبد المطلب لما تم أبناؤه عشرة، وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه، فكتب أسماءهم في القداح، وأعطاهم قيم هبل، فضرب القداح فخرج القدح على عبد الله، فأخذه عبد المطلب، وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إلى الكعبة ليذبحه، فمنعته قريش ولا سيما أخواله من بني مخزوم وأخوه أبو طالب، فقال عبد المطلب: فكيف أصنع بنذري فأشاروا عليه أن يأتي عرافة فيستأمرها، فأتاها، فأمرت أن يضرب القداح على عبد الله وعلى عشر من الإبل، فإن خرجت على عبد الله يزيد عشرا من الإبل حتى يرضي ربه، فإن خرجت على الإبل نحرها، فرجع وأقرع بين عبد الله وبين عشر من الإبل فوقعت القرعة على عبد الله فلم يزل يزيد من الإبل عشرا عشرا ولا تقع القرعة إلا عليه إلى أن بلغت الإبل مائة فوقعت القرعة عليها، فنحرت عنه، ثم تركها عبد المطلب لا يرد عنها إنسانا ولا سبعا، وكانت الدية في قريش وفي العرب عشرا من الإبل، فجرت بعد هذه