في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم، قال:«يا ابن الخطاب إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري، ولن يضيعني أبدا» قال: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، «فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به» .
ثم انطلق عمر متغيظا فأتى أبا بكر، فقال له كما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه أبو بكر، كما رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء، وزاد: فاستمسك بغرزه حتى تموت، فو الله إنه لعلى الحق.
ثم نزلت: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً إلخ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: نعم. طابت نفسه ورجع.
ثم ندم عمر على ما فرط منه ندما شديدا. قال عمر: فعملت لذلك أعمالا، ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمات به، حتى رجوت أن يكون خيرا «١» .
[انحلت أزمة المستضعفين]
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأطمأن بها، انفلت رجل من المسلمين، ممن كان يعذب في مكة، وهو أبو بصير رجل من ثقيف حليف لقريش، فأرسلوا في طلبه رجلين وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم العهد الذي جعلت لنا، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا. فاستله الآخر، فقال: أجل. والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد.
وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه:
لقد رأى هذا ذعرا، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير وقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم،
(١) انظر لتفصيل هذه الغزوة والهدنة، فتح الباري ٧/ ٤٣٩ إلى ٤٥٨، صحيح البخاري ١/ ٣٧٨، ٣٧٩، ٣٨٠، ٣٨١، ٢/ ٥٩٨، ٦٠٠، ٧١٧، صحيح مسلم ٢/ ١٠٤، ١٠٥، ١٠٦، ابن هشام ٢/ ٣٠٨ إلى ٣٢٢، زاد المعاد ٢/ ١٢٢، ١٢٣، ١٢٤، ١٢٥، ١٢٦، ١٢٧، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص ٢٠٧ إلى ٣٠٥، تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٣٩، ٤٠.