وكان أبو سفيان أشد تأليبا على المسلمين بعد ما رجع عن غزوة السويق، خائبا لم ينل ما في نفسه، بل أضاع مقدارا كبيرا من تمويناته في هذه الغزوة.
وزاد الطينة بلّة- أو زاد النار إذكاء، إن صح هذ التعبير- ما أصاب قريشا أخيرا في سرية زيد بن حارثة من الخسارة الفادحة التي قصمت فقار اقتصادها، وزودها من الحزن والهم ما لا يقادر قدره، وحينئذ زادت سرعة قريش في استعدادها للخوض في معركة تفصل بينهم وبين المسلمين.
[قوام جيش قريش وقيادته]
ولما استدارت السنة كانت مكة قد استكملت عدتها، واجتمع إليها من المشركين ثلاثة آلاف مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش، ورأى قادة قريش أن يستصحبوا معهم النساء، حتى يكون ذلك أبلغ في استماتة الرجال دون أن تصاب حرماتهم وأعراضهم، وكان عدد هذه النسوة خمس عشرة امرأة وكان سلاح النقليات في هذا الجيش ثلاثة آلاف بعير ومن سلاح الفرسان مائتا فرس «١» جنبوها طول الطريق، وكان من سلاح الوقاية سبعمائة درع.
وكانت القيادة العامة إلى أبي سفيان بن حرب، وقيادة الفرسان إلى خالد بن الوليد، يعاونه عكرمة بن أبي جهل، أما اللواء فكان إلى بني عبد الدار.
[جيش مكة يتحرك]
تحرك الجيش المكي بعد هذا الإعداد التام نحو المدينة، وكانت التارات القديمة والغيظ الكامن يشعل البغضاء في القلوب، ويشف عما سوف يقع من قتال مرير.
[الإستخبارات النبوية تكشف حركة العدو]
وكان العباس بن عبد المطلب يرقب حركات قريش واستعداداتها العسكرية، فلما تحرك هذا الجيش بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ضمنها جميع تفاصيل الجيش.
وأسرع رسول العباس بإبلاغ الرسالة، وجدّ في السير حتى إنه قطع الطريق بين مكة والمدينة- التي تبلغ مسافتها إلى خمسمائة كيلو مترا- في ثلاثة أيام، وسلم الرسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد قباء.
(١) زاد المعاد ٢/ ٩٢ وهو المعروف، وفي فتح الباري مائة فرس ٧/ ٣٤٦.