للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤

- سرية كرز بن جابر الفهري «١» إلى العرنيين

، في شوال سنة ٦ هـ وذلك أن رهطا من عكل وعرينة أظهروا الإسلام، وأقاموا بالمدينة فاستوخموها، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذود في المرعى، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل وكفروا بعد إسلامهم، فبعث في طلبهم كرزا الفهري في عشرين من الصحابة، ودعا على العرنيين: «اللهم أعم عليهم الطريق، واجعلها عليهم أضيق من مسك، فعمى الله عليهم السبيل» ، فأدركوا، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسملت أعينهم، جزاء وقصاصا بما فعلوا، ثم تركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا «٢» وحديثهم في الصحيح عن أنس «٣» .

ويذكر أهل السير بعد ذلك سرية عمرو بن أمية الضمري مع سلمة بن أبي سلمة، في شوال سنة ٦ هـ، أنه ذهب إلى مكة لاغتيال أبي سفيان، لأن أبا سفيان كان أرسل أعرابيا لاغتيال النبيّ صلى الله عليه وسلم، بيد أن المبعوثين لم ينجحا في الإغتيال، لا هذا، ولا ذاك، ويذكرون أن عمرا قتل في الطريق ثلاثة رجال، ويقولون إن عمرا أخذ جثة الشهيد خبيب في هذا السفر، والمعروف أن خبيبا استشهد بعد الرجيع بأيام أو أشهر، ووقعة الرجيع كانت في صفر سنة ٤ هـ، فلا أدري هل اختلط السفران على أهل السير، أو كان الأمران في سفر واحد في السنة الرابعة، وقد أنكر العلامة المنصور فوري أن تكون هذه السرية سرية حرب أو مناوشة. والله أعلم.

هذه هي السرايا والغزوات بعد الأحزاب، وبني قريظة، لم يجر في واحدة منها قتال مرير، وإنما وقعت فيما وقعت مصادمة خفيفة، فليست هذه البعوث إلا دوريات استطلاعية، أو تحركات تأديبية، لإرهاب الأعراب والأعداء الذين لم يستكينوا بعد. ويظهر بعد التأمل في الظروف أن مجرى الأيام كان قد أخذ في التطور بعد غزوة الأحزاب، وأن أعداء الإسلام كانت معنوياتهم في انهيار متواصل، ولم يكن بقي لهم أمل في نجاح كسر الدعوة الإسلامية وخضد شوكتها، إلا أن هذا التطور ظهر جليا بصلح الحديبية، فلم تكن الهدنة إلا الإعتراف بقوة الإسلام، والتسجيل على بقائها في ربوع الجزيرة العربية.


(١) هذا هو الذي كان قد أغار على سرح المدينة قبل بدر في غزوة صفوان ثم أسلم وقتل شهيدا يوم فتح مكة.
(٢) زاد المعاد ٢/ ١٢٢.
(٣) صحيح البخاري ٢/ ٦٠٢.

<<  <   >  >>