للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، وبشوا أوباشا لهم، قالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لقريش شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا. فتجمع سفهاء قريش وأخفاؤها مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو بالخندمة ليقاتلوا المسلمين، وكان فيهم رجل من بني بكير- حماس بن قيس- كان يعد قبل ذلك سلاحا، فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أرى؟

قال: لمحمد وأصحابه قالت: والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء. قال: إني والله لأرجو أن أخدمك بعضهم. ثم قال:

إن يقبلوا اليوم فما لي علّه ... هذا سلاح كامل وآله

وذو غرارين سريع السله «١»

فكان هذا الرجل فيمن اجتمعوا في الخندمة.

[الجيش الإسلامي بذي طوى]

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى حتى انتهى إلى ذي طوى- وكان يضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكره الله به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل- وهناك وزع جيشه وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى- وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب- فأمره أن يدخل مكة من أسفلها، وقال: إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا، حتى توافوني على الصفا.

وكان الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وكان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يدخل مكة من أعلاها- من كداء- وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه.

وكان أبو عبيدة على الرجالة والحسر- وهم الذين لا سلاح معهم- فأمره أن يأخذ بطن الوادي، حتى ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[الجيش الإسلامي يدخل مكة]

وتحركت كل كتيبة من الجيش الإسلامي على الطريق التي كلفت الدخول منها فأما خالد وأصحابه فلم يلقهم أحد من المشركين إلا أناموه، وقتل من أصحابه من المسلمين كرز بن جابر الفهري وخنيس بن خالد بن ربيعة، كانا قد شذا عن الجيش، فسلكا طريقا


(١) قوله: سريع السلّه: أي سريع الاستلال والسحب وقوله: الفرارين أي الحدين.

<<  <   >  >>