ثم قديد، ثم الجحفة، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها: انكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا.
[العير تفلت]
وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسي، ولكنه لم يزل حذرا متيقظا، وضاعف حركاته الإستكشافية، ولما اقترب من بدر تقدم عيره، حتى لقي مجدي بن عمرو، وسأله عن جيش المدينة، فقال: ما رأيت أحدا أنكره، إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا، فبادر أبو سفيان إلى مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذا والله علائف يثرب، فرجع إلى عيره سريعا، وضرب وجهها محولا اتجاهها نحو الساحل غربا، تاركا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار. وبهذا نجا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في الجحفة.
[هم الجيش المكي بالرجوع ووقوع الإنشقاق فيه]
ولما تلقى هذه الرسالة جيش مكة هم بالرجوع، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في كبرياء وغطرسة قائلا: والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا.
ولكن على رغم أبي جهل أشار الأخنس بن شريق بالرجوع فعصوه، فرجع هو وبنو زهرة- وكان حليفا لهم ورئيسا عليهم في هذا النفير- فلم يشهد بدرا زهري واحد، وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل، واغتبطت بنو زهرة بعد برأي الأخنس بن شريق، فلم يزل فيهم مطاعا معظما.
وأرادت بنو هاشم الرجوع، فاشتد عليهم أبو جهل، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع.
فسار جيش مكة وقوامه ألف مقاتل بعد رجوع بني زهرة- وهو يقصد بدرا- فواصل سيره حتى نزل قريبا من بدر، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى على حدود وادي بدر.