للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المدينة إلى مكة- فقال: من أين أقبلت يا بديل؟ - وظن أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم- فقال:

سرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي. قال: أو ما جئت محمدا؟ قال:

لا.

فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى، فأتى مبرك راحلته، فأخذ من بعرها ففته، فرأى فيها النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا.

وقدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟

قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس. فقال: والله لقد أصابك بعدي شر.

ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أن بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه، فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، ثم جاء فدخل على علي بن أبي طالب، وعنده فاطمة، وحسن غلام يدب بين يديهما، فقال: يا علي، إنك أمس القوم بي رحما، وإني قد جئت في حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائبا، اشفع لي إلى محمد، فقال: ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة، فقال: هل لك أن تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما يبلغ ابني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحينئذ أظلمت الدنيا أمام عيني أبي سفيان، فقال لعلي بن أبي طالب في هلع وانزعاج ويأس وقنوط: يا أب الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي، فانصحني. قال:

والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك. ولكنك سيد بني كنانة، فقم فاجر بين الناس، ثم الحق بأرضك. قال: أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: لا والله ما أظنه، ولكني لم أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره، وانطلق.

ولما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلمته، فو الله ما رد علي شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت عمر بن الخطاب، فوجدته

<<  <   >  >>