(٢) اختلف المؤرخون اختلافا كبيرا في أول شهر أكرمه الله فيه بالنبوة، وإنزال الوحي، فذهبت طائفة كبيرة إلى أنه شهر ربيع الأول، وذهبت طائفة أخرى إلى أنه رمضان، وقيل هو شهر رجب (انظر مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب النجدي ص ٧٥) ورجحنا الثاني- أي أنه شهر رمضان- لقوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: ١٨٥] ولقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: ١] ومعلوم أن ليلة القدر في رمضان، وهي المرادة بقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ [الدخان: ٣] ولأن جواره صلى الله عليه وسلم بحراء كان في رمضان، وكانت وقعة نزول جبريل فيهما كما هو معروف. ثم اختلف القائلون ببدء نزول الوحي في رمضان في تحديد ذلك اليوم، فقيل: هو اليوم السابع، وقيل السابع عشر، وقيل الثامن عشر (انظر مختصر سيرة الرسول المذكور ص ٧٥، ورحمة للعالمين ١/ ٤٩) وقد أصر الخضري في محاضراته على أنه اليوم السابع عشر (محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ١/ ٦٩) . وإنما رجحنا أنه اليوم الحادي والعشرون مع أنا لم نر من قال به لأن أهل السيرة كلهم أو أكثرهم متفقون على أن مبعثه صلى الله عليه وسلم كان يوم الإثنين، ويؤيدهم ما رواه أئمة الحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: «فيه ولدت فيه أنزل علي، وفي لفظ: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل عليّ فيه» (صحيح مسلم ١/ ٣٦٨، أحمد ٥/ ٢٩٧، ٢٩٩، البيهقي ٤/ ٢٨٦، ٣٠٠، الحاكم ٢/ ٦٠٢) ويوم الإثنين في رمضان من تلك السنة لا يوافق إلا اليوم السابع، والرابع عشر، والحادي والعشرين، والثامن والعشرين، وقد دلت الروايات الصحيحة أن ليلة القدر لا تقع إلا في وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان وأنها تنتقل فيما بين هذه الليالي، فإذا قارنا بين قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وبين رواية أبي قتادة أن مبعثة صلى الله عليه وسلم كان يوم الإثنين وبين حساب التقويم العلمي في وقوع يوم الإثنين في رمضان من تلك السنة تعين لنا أن مبعثة صلى الله عليه وسلم كان في اليوم الحادي والعشرين من رمضان ليلا.