فطمع في المال فأخذ رمحه وركب فرسه وتتبعهم، فلما دنى منهم وأحسن به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا عليه، فعثرت فرسه وسط عنها، ثم ركبها وسار حتى قرب منهم وسمع قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، فساخت قوائم فرسه في الأرض حتى بلغت الركبتين فنزل عنها وزحف فلم تستطع النهوض فطلب الأمان فدعا له رسول - صلى الله عليه وسلم - ثم زجرها فنهضت، فلما استوت قائمة فركبها وسار نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووقع في نفسه ما لقي من الحبس عنهم وما اتفق لفرسه أنه سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينتصر على أعدائه، فلما وصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرض عليهم الزاد والمتاع فلم يقبلوا منه شيئًا بل قالوا: أُخف عنا، ثم رجع سراقة إلى قومه إلى قومه بني مدلج، وأخبرهم بما اتفق له مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهم: لابد وإن يظهر أمره فسمع بذلك أبو جهل فأنشد يقول:
بني مدلج إني أخاف سفهيكم ... سراقة يستغوي بنصر محمد
عليكم أن لا يفرق جمعكم ... فيصبح شتى بعد عز وسودد
فأجاب سراقة:
أبا حكم والات لو كنت شاهداً ... لأمر جوادي أن تسيخ قوائمه
عجبت ولن تشك بأن محمد ... نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه
عليك بكف الناس عنه فإنني ... أري أمره يوماً ستبدوا معالمه
بأمر تود النصر فيه بأنها ... لو أن جميع الناس طراً تسالمه
وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه مضى إلى المدينة وكان المسلمون من أهل المدينة قد سمعوا خروجه - صلى الله عليه وسلم - من مكة، وكان المسلمون كل يوم يخرجون إلى مكان يقال له: الحرة، ينتظرونه حتى يشتد الحر، ثم يرجعون فلما كان يوم قدومه وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة يوماً خلت من ربيع الأول، خرجوا ثم رجعوا إلى بيوتهم بعد ما طال انتظارهم وإذا يهودي صعد على جبل لحاجة فنظر من فوق فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فنادى بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرونه قد أقبل فخرجوا إليه سراعاً وتلقوه، فنزل بقباء على بني عمرو بن عوف، ولبث عندهم