بكير القرشي المخزومي المصري، ولد سنة أربع وخمسين ومائة، وكانت وفاته سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وبكير مصغر البكر (١) .
قال «حدثنا الليث» هذا هو أبو الحارث الليث بن سعد عبد الرحمن الفهمي المصري، عالم أهل مصر من تابعي التابعين، ولد بقرقشنده على نحو أربع فراسخ من مصر سنة ثلاث أو أربع وتسعين، واتفق العلماء على إمامته وبراعته وجلالته وحفظه وإتقانه وفضله وورعه وعبادته، وغير ذلك من المحاسن والمكارم، ووصفه الشافعي بكثره الفقه إلا أنه ضيعه أصحابه، ولم يعتنوا بكتبه ونقلها والتعليق عنه، ففات الناس معظم علمه، قال يحيى بن بكير: كان الليث أفقه من مالك، ولكن كان الخطوة لمالك ورأيت من رأيت فما رأيت مثل الليث، كان عربي اللسان، حسن القراءة، ويحفظ الحديث والقرآن والشعر، حسن المذاكرة، وما زال يعدد خصالاً حميدة جميلة حتى عقد عشرة.
وقال الإمام أحمد عنه: كان كثير العلم صحيح الحديث ما في هؤلاء المصريين أثبت منه ولا أصح حديثاً منه.
وقال ابن سعد: استقل بالفتوى في زمانه.
وكان ثرياً نبيلاً سخياً، ومناقبة جمة قال الشافعي: وما ندمت على أحد ما ندمت على الليث، وكان دخله في كل سنة ثمانين ألف دينار، وما وجبت عليه زكاة قط لعدم إمساكها حتى يجول عليها الحول، ولما قدم المدينة أهدى له مالك من ظرفها فبعث إليه ألف دينار.
وقال بعضهم: إن جماعة من أصحاب الليث وقفوا على باب الإمام مالك - رضي الله عنه - فامتنع من الخروج إليهم فقال بعضهم: هذا ليس ببشر صاحبنا فسمعه الإمام فخرج إليهم وقال: من صاحبكم؟ قال: الليث بن سعد، قال: أتشبهوني برجل كتبنا إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب أولادنا فأرسل إلينا شيئاً صبغنا به ثياب أولادنا وثياب جيراننا وثيابنا، والفاضل بعناه بألف دينار.
(١) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١/٧٠) : نسبه إلى جده لشهرته بذلك، وهو من كبار حفاظ المصريين، وأثبت الناس في الليث بن سعد الفهمي فقيه المصريين، «وعقيل» بالضم على التصغير، وهو من أثبت الرواة عن ابن شهاب، وهو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة الفقيه، نسب إلى جد جده لشهرته، الزهري نسب إلى جده الأعلى زهرة بن كلاب، وهو من رهط آمنة أم النبي - صلى الله عليه وسلم - على إتقانه وإمامته.