ومن الغرائب الدالة على سعة كرمة - رضي الله عنه - ما نقل عن منصور بن عمار وكان واعظاً عظيماً بالحجاز مشهوراً قال: دخلت إلى مصر في أيام الليث، ووعظت في الجامع، وكان إذا تكلم أحد في مصر واعظاً نفاه فلما وعظت سمع بي، فأرسل في طلبي، وقال لي الرسول: أجب الليث، فآتيته خائفاً منه، فقال: أنت الواعظ؟ قلت: نعم، قال: أعد علينا كلامك، فتكلمت فبكى ثم قال: ما اسمك؟ قلت: منصور، فأعطاني ألف دينار، وقال: صن هذا الكلام أن تقف به على أبواب السلاطين، ولك في كل سنة مثلها فتكلمت في الجامع في الجمعة الثانية أرسل في طلبي، وقال: أعد علينا ما قلت، فتكلمت فبكى بكاء كثيراً ثم قال: انظر ما تحت الوسادة فرأيت خمسمائة دينار، فلما كان في الجمعة الثالثة آتيته مودعاً قاصداً بيت الله الحرام، فقال: انظر ما تحت الوسادة فرأيت ثلثمائة دينار، ثم قال: يا جارية هاتي ثياب إحرام منصور فأتت بأربعين ثوباً فقلت: يرحمك الله أنا يكفيني ثوبان فقال: أنت رجل كريم فيصبحك قوم فأعطهم، ثم قال: خذ الجارية أيضاً ومعها ألف دينار ولا تخبر ولدي فيراه قليلاً - رضي الله عنه -.
وكانت وفاته في شعبان سنة خمسين وسبعين ومائة، وقبره بمصر يزار وعليه من الجلالة والبهاء ما هو لاق به، وليس في الكتب الستة من اسمه الليث بن سعد سواه.
«عن عقيل» بضم العين المهملة وفتح القاف، هذا هو عقيل الحافظ بن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة والياء المثناة التحتانية القرشي الأموي مولى عثمان بن عفان الحافظ.
«عن ابن شهاب» هذا هو الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الزهري، المدني، سكن الشام، وهو تابعي صغير كذا في شرح ابن الملقن، وفي الكرماني هو تابعي كبير، سمع عشرة من الصحابة بل أكثر سمع أنساً وخلقاً من الصحابة، وسعيد بن المسيب وخلقاً من كبار التابعين ورأى ابن عمرو، وروى عنه، وصح عنه أنه قال:«ما استودعت حفظي شيئاً فخانتي» ، وصح عنه أيضاً أنه حفظ القرآن في ثمانين ليلة» كما قاله البخاري في التاريخ.
قال الليث: ما رأيت عالماً أجمع من الزهري ولا أكثر علماً منه.
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أتقن للحديث من الزهري، وما رأيت أحداً الدنيار والدرهم أهون عنده، إن كانت الدراهم والدنانير عند بمنزلة البعر.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لولا الزهري لذهبت السنن من المدينة، والعلماء