للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق» (١) أي: على حوادث الحق، ومعنى كلام خديجة: أنك لا يصيبك مكروه لما جعله الله فيك من مكارم الأخلاق وجميل الصفات، فخصال الخير سبب للسلامة من مصارع السوء، والمكارم سبب لدفع المكارة، وفي هذا دليل على جواز مدح الإنسان في وجهه لمصلحة نظراً.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «احثوا في وجوه المداحين التراب» (٢) فهو محمول على المدح بباطل أو يؤديه باطل.

وفيه دليل على أنه ينبغي لمن حضر عند من حصل له مخافة من شيء أن يذكر له أسباب السلامة، وأن يذكر ما فيه من الفضائل كما فعلت خديجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وفيه أبلغ دليل على كمال خديجة وجزالة رأيها وقوة نفسها وعظمتها، جمعت رضي الله عنها جميع أنواع المكارم وأمهاتها.

ويدل على كمال عقلها وقوة معرفتها ما ذكره ابن إسحاق أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم. قالت: فإذا جاءك فأخبرني به فجاءه جبريل - عليه السلام - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخديجة رضى الله عنها: هذا جبريل - عليه السلام - قد جاءني، قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس عليها فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول


(١) قال ابن حجر في الفتح (١/٧٦) : وقولها: «وتعين على نوائب الحق» هي كلمة جامعة لأفراد ما تقدم ولما لم يتقدم.
وفي رواية البخاري في التفسير من طريق يونس عن الزهري من الزيادة: «وتصدق الحديث» وهي من أشرف الخصال.
وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة «وتؤدي الأمانة» .
وفي هذه القصة من الفوائد استحباب تأنيس من نزل به أمر، بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه، وأن من نزلت به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه.
(٢) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (١/١٢٤، رقم ٣٣٩) ، ومسلم في صحيحه (٤/٢٢٩٧، رقم ٣٠٠٢) ، والترمذي في سننه (٤/٥٩٩، رقم ٢٣٩٣) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في سننه (٢/١٢٣٢، رقم ٣٧٤٢) ، وأحمد في مسنده (٦/٥، رقم ٢٣٨٧٥) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (١/٢٢٧، رقم ٢٩٥) ، والطبراني في المعجم الكبير (٢٠/٢٣٩، رقم ٥٦٥) ، وابن أبي شيبة في المصنف (٥/٢٩٧، رقم ٢٦٢٥٩) ، وفي مسند الشاميين (١/٢٧٤، رقم ٤٧٩) ، والقضاعي في مسند الشهاب (١/٤١٣، رقم ٧١١) ، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/٢٤٢، رقم ٢٠٩٢٦) جميعاُ عن المقداد بن عمرو.

<<  <  ج: ص:  >  >>