للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واقعد على فخذي الأيمن فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قال: فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه؟ قال: لا، قالت: يا ابن عم أثبت وأبشر فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان» (١) .

وجاء في رواية أخرى: أنه لما كمل من العمر أربعون سنة قال لخديجة دعيني أتحنث، فكانت تصنع له الكعك والزبيب ثم يخرج إلى أجياد الأصغر، وقيل إلى غار حراء، فخرج يوماً فهتف به جبريل - عليه السلام - ولم يبد له، فغشي عليه، فجاء المشركون إليها وقالوا: دونك يا خديجة قد تزوجت مجنوناً فضمته إلى صدرها ووضعت رأسه في حجرها، وقبلته بين عينيه وقالت: تزوجت نبياً مرسلاً، فلما أفاق قالت: بأبي أنت وأمي ما الذي أصابك هل رأيت شيئاً أنكرته؟ فقال: ما أصابتي إلا أني سمعت صوتاً أفزعني، ففرحت خديجة واستبشرت ثم قالت: من الغد فعد إلى الموضع الذي كنت فيه بالأمس فإن يك ملكاً فسيرجع لك، وإن يك شيطان فليس براجع، فلما كان اليوم الآخر خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموضع، فهتف جبريل ولم يبد له، فغشي عليه فحملوه إليها قال: وفرحت قريش بذلك وقالوا: يتخطبه الشيطان، فحملوه إليها وقالوا مثل القول الأول، فردت عليهم مثل القول الأول، فلما أفاق سألته وقالت: بأبي وأمي رأيت اليوم شيئاً فقص عليها القصة ففرحت وقالت: إذا كان من الغد فارجع فرجع من الغد إلى موضعه فبدا له جبريل في أحسن صورة وأطيب رائحة فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك أنت رسولي إلى الثقلين الإنس والجن، فادعهم إلى قول لا إله إلا الله، ثم قال: ألا تعرفني؟ قال: لا، قال: أنا جبريل وأنت محمد، ولا نبي بعدك، وعرج جبريل إلى السماء، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجياد الأصغر وما مر بحجر أو شجر إلا وهو ينادي: السلام عليك يا رسول الله، حتى ذهب إلى خديجة وأخبرها بالكرامة التي أكرمه الله بها من الرسالة، فغشي عليها من الفرح، فنضح عليها الماء حتى أفاقت فآمنت بالله ورسوله وانشدوا في المعنى:

رموا بالجنون نبي الورى ... وتاج الكرام ومزن الأوام

وقالوا خديجة هذا الذي ... ملأت به قلبك المستهام


(١) أخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة (١/٣٥) ، والطبري فى التاريخ (١/٥٣٣) كلاهما من طريق ابن إسحاق.
وانظر: السيرة لابن هشام (٢/٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>