للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن مناقبة الدالة على غزارة علمه أن الناس كانوا يقصدون منزله من الآفاق، ويزدحمون على منزلة، ويسألون عن جميع العلوم فقد نقل عن أبي صالح أنه قال رأيت عند ابن عباس جلساء لو أن جميع قريش افتخرت به لكان لها فخر، ورأيت الناس اجتمعوا على باب منزله، ويسألوه من أنواع العلوم، حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على المجيىء من ذلك الطريق والذهاب من كثرة الناس، قال أبو صالح: فدخلت عليه فأخبرته بالناس الواقفين على بابه، فقال: ادع لي بوضوء فتوضأ وجلس، ثم قال: لا تدخل على جميع الناس بل أخرج وقل من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد منه فليدخل، قال: فخرجت فأعلمتهم فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر، ثم قال انصرفوا حتى يدخل إخوانكم، ثم قال: لي أخرج فقل من أراد أن يسأل عن الحلال أو الحرام والفقه فليدخل، فقلت لهم: فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجر فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم بمثله، ثم قال انصرفوا حتى يدخل إخوانكم فخرجوا، ثم قال: أخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل، فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال: انصرفوا حتى يدخل إخوانكم، ثم قال: أخرج فقل: من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل، فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم وزادهم مثله، قال أبو صالح: فلو أن قريشاً كلها فخرت بذلك لكان فخراً فما رأيت مثل هذا لأحد.

وكان ابن عباس جميلاً قال عطاء: ما رأيت القمر ليلة الرابع عشر إلا ذكرت وجه ابن عباس من حسنه.

وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألف حديث وستمائه وستين حديثاً، اتفقا منها على أربعة خمسة وسبعين، وانفرد البخاري بمائة وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين وقد عمي في آخر عمره وكذا أبوه العباس وجده عبد المطلب، ولما سقط في عينيه الماء، وذهب بصره قيل له: خلي بيننا وبين عينيك نسيل ماءها ولكنك تمسك خمسة أيام لا تصلي فقال: لا والله ولا ركعة إني حدثت: «أنه من ترك صلاة واحدة متعمداً لقي الله وهو عليه غضبان» (١) .


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١١/٢٩٤، رقم ١١٧٨٢) ، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (٤/٨٢٨، رقم ١٥٣٥) من حديث ابن عباس.
ورواه أيضاً: البزار كما في مجمع الزوائد (١/٢٩٥) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه: سهل بن محمود، ذكره ابن أبي حاتم، وقال: روى عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي، وسعدان بن يزيد، قلت: وروى عنه محمد بن عبد الله المخرمي ولم يتكلم فيه أحد، وبقية رجاله رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>