للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن ابن مسعود: «لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكون هم أحدكم آخر السورة» (١) .

قال النووي: وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراة جزئين في قدر ذلك الزمان بلا ترتيل.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إليَّّ من أن أقرأ القرآن كله» .

وعن مجاهد (٢) - رضي الله عنه -: أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر البقرة وحدها وزمنها وركوعهما وسجودهما وجلوسهما سواء، قال: الذي قرأ البقرة وحدها أفضل قال: واستحباب الترتيل للتدبر ولأنه أقرب إلى الأجل والتوقير، وأشد تأثيراً في القلب، ولهذا استحب للأعجمي الذي لا يفهم معناه.

وقال بعضهم: وأحب أن ثواب قراءة الترتيل أجل قدراً، وثواب الكثرة أكثر عدداً.

الخامسة: في الحديث دلالة على أن أحداً لا يحفظ القرآن العظيم إلا بعون الله وفضله وكرمه، قال تعالى: ?وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ? [القمر: ١٧] بخلاف التوراة والإنجيل فإنه لم يكن متيسراً لحفظهما كتيسر حفظ القرآن العظيم الذي خصت به هذه الأمة المحمدية.

خاتمة غريبة: قال بعض الصالحين كان رجل يحفظ القرآن، وكان يحب الدنيا ويسعى لها، فلا تزداد منه إلا بعداً فجاء إلي وقال: قد أصابني أمر أريد أن تكتمه على فقلت: ما هو؟ فقال: قد كنت ترى مني حب الدنيا وطلبها فرأيت الليلة في منامي قائلاً يقول لي تبيعني أربع سور مما تحفظه من القرآن بهذه بعشرين ديناراً، فقلت: نعم فطرح الدنانير في كفي، ثم انتبهت فلم أر شيئاً فطلبت أن أقرأ شيئاً من السور التي عينها فلم استطع، وقد جئتك لتلقينها في خلوة، قال: فخلوت به وجعلت أقرأ الآية من السور فيقرأها معي فإذا أمسكت عجز عن القراءة فبقينا على ذلك مدة فلم يحفظ منها آية، فقال لي بعد مدة: لا تتعب معي فإنها نزعت مني.

السادسة: ذكر الغزالي في أسرار القرآن فيمن يطرأ عليه نسيان القرآن بعد حفظه


(١) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٢/٢٥٦، رقم ٨٧٣٣) من قول عبد الله بن مسعود.
وأورده السيوطي في الدر المنثور (٥/١٥٨) وعزاه إلى ابن أبي شيبة.
(٢) هو: مجاهد بن جبير، ويقال: ابن جبير المكي، كان فقيهاً عابدًا ورعًا، من أئمة التفسير، روى عن جمع من الصحابة، توفي رحمه الله بمكة وهو ساجد سنة (١٠٢هـ) ، وقيل (١٠٣هـ) .
انظر: مشاهير علماء الأمصار (ص ٨٢) ، وتهذيب التهذيب (١٠/٢٨٤) ، وحلية الأولياء (٣/٢٧٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>