أبو سفيان كبيرهم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صالح أهل مكة على ترك القتال عشر سنين، وذلك في الحديبية في أخر السنة السادسة، فخرج أبو سفيان ومن معه إلى غزة فرآهم البطريق هناك.
هذا معنى قول البخاري: إن هرقل أرسل إلى أبي سفيان في ركب من قريش أي: حال كونه في ركوب وكانوا تجاراً بالشام.
«في المدة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماد فيها كفار قريش» أي: مصالحاً فيها أبا سفيان وكفار فريش، «وماد» فعل ماض من المفاعلة وهو الاتفاق على مدة مأخوذ من المداد ومن المدة.
فلما رأى البطريق أبا سفيان ومن معه ساقهم إلى بيت المقدس حتى أحضرهم عند هرقل كما قال البخاري وهم بإيلياء.
«فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم» ، والمراد: فدعاهم حال كونه جالساً في محل حكمه لا في خلوة ولا في الحرم أي: أمر بإحضارهم.
وجاء في رواية: أنه كان على رأسه التاج وعظماء الروم مطبقون به من جوانبه.
فائدة: الروم اسم لهذا الجبل المعروف من ولد الروم بن عيصوا فكأنه اسم أبيهم عليهم.
«ثم» حضروا مجلسة ودعاهم أي: أستدعاهم.
«ودعا ترجمانه» والترجمان: بفتح الياء والجيم وقد تضم التاء اتباعاً لها هو الذي يعبر لغة بلغة.
فقال هرقل للترجمان قل لهم «أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان فقلت: أنا أقربهم نسبا به» وإنما كان أقربهم لأنه من بني عبد مناف، وعبد مناف الأب الرابع للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذا لأبي سفيان.
قال أبو سفيان: وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيرى، وإنما خص هرقل الأقرب بالسؤال عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه مطلع على أمره ظاهراً أو باطناً أكثر من غيره، وإلا يعد لا يؤمن أن تحمله العداوة على الكذب والقدح فيه بخلاف القريب فإن نسبه يمنعه من ذلك.
«قال: أي هرقل لأصحابه أدنوه مني» أي: قربوا أبا سفيان مني «وقربوا أصحابه فأجعلوهم عند ظهره» ، والحكمه في جعل أصحابه وراء ظهره أنه إذا سأله عن شيء من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - فكذب ردوا عليه أصحابه وبينوا كذبه، بخلاف ما إذا