«قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال» أي: نوبة لنا ونوبة له، ولله درمن قال:
يوم علينا ويوم لنا ويوم نساء يوم لنرى
السجال: جمع سجل وهو الدلو الكبير، والمتحاربين كالمستقين يستقي هذا دلو ذاك.
وقوله:«ينال منا وتنال منه» قال البلقينى: هذا فيه دسيسة لأنهم لم ينالوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - قط والذي وقع في أحد أن بعض المقاتلين قتل وكان العزة والنصر للمؤمنين.
«قال ماذا يأمركم قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول أباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف» أي: الكف عن المحارم وخوارم المرؤة.
«والصلة» أي: صلة الرحم، وكم أمر الله به أن يوصل بالبر والإكرام والمراعاة ولو بالسلام والترحم، وأشار بقوله:«لا تشركوا، واتركوا» إلى التخلي عن الرذائل، وبقوله:«يأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف» إلى التحلي بالفضائل، ومحصله أنه ينهانا عن النقائص ويأمرنا بالكمالات.
«فقال» أي: هرقل فرغ من أسألته لأبي سفيان «للترجمان قل له» لأبي سفيان «سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذا الرسل تبعث في قومها» .
يعني يكونون أفضل القوم أشرفهم لأن من شرف نسبه كان أبعد من انتحال الباطل وأقرب الانقياد الناس إليه.
«وسألتك هل قال أحد منك هذا القول فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل تأسى» وفي رواية «يتأسى» ومعنى كل منهما يقتدي ويتبع بقول قيل قبله.
«وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا، فقد عرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل» .
معناه: أن أتباع الرسل في الغالب أهل الإستكانة لا أهل استكبار، الذين أصروا على الشقاق بغياً وحسداً كأبي جهل وأشياعه إلى أن أهلكهم الله تعالى، وأنقذ بعد