له، وأنهم لم يزالوا يتوارثون كابرًا عن كابر في أرفع صوان وأعز مكان.
قال شيخ الإسلام ابن حجر: أنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي قال: حدثني سيف الدين المنصوري قال: أرسلني ملك الإفرنج في شفاعة فقبلها وعرض على الإقامة عنده فقال: لأتحفنكم بتحفة سنية، فأخرج لي صندوقًا مصحفًا بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج منه كتابًا قد زالت أكثر حروفه، وقد ألصقت عليه خرقة حرير فقال: هذا كتاب نبيكم لجدي قيصر، مازلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا أباؤنا عن أبائهم إلى قيصر أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصاري ليدوم الملك فينا.
ويؤيد هذا ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء جواب هرقل قال:«ثبت ملكه»(١) .
قال ابن حجر: ثم قال البخاري «وكان ابن الناظور» روي بالطاء المهلمة وبالظاء المعجمة ومعناه: حافظ الزرع والناظز إليه، وهو معطوف على وأخبرني عبيد الله، والتقدير: عن الزهري، وأخبرني عبيد الله ... فذكر الحديث، ثم قال الزهري:«وكان الناظور صاحب إيلياء وهرقل أسقفاً على نصارى الشام» ، وهرقل مجرور بالعطف على إيلياء أي: كان ابن الناظور صاحب إيلياء وصاحب هرقل أسقفًا.
قال الكرماني: ولفظ الصاحب هذا بالنسبة إلى هرقل حقيقة فإنه بمعني الصديق وبالنسبة إلى إيلياء مجازًا إذا المراد الأحكام فيه، وإرادة المعنى الحقيقي والمعنى المجازي من لفظ واحد باستعمال واحد جائز عند الشافعي، وإما عند غيره فهو مجاز بالنسبة إلى المعنيين باعتبار معنى شامل لهما، ومثله يسمى بعموم المجاز، ويجوز في صاحب النصب على الاختصاص أي: على الحال، والرفع على أنه مبتدأ محذوف، وقوله «يحدث» خبر «كان» .
فائدة: النصارى جمع نصراني سمو بذلك لنصره بعضهم بعضاً، أو لأنهم نزلوا موضعاً يقال له نصرانه أو ناصره، أو لقوله تعالى ?مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ? [الصف: ١٤] والمعنى: أن هرقل لما وصل إلى بيت المقدس، وكان إذ ذاك ببيت المقدس حاكم يقال له ابن الناظور وكان صاحب هرقل وكان أسقفاً على نصارى الشام أي: عالمهم وقاضيهم ومقتداهم «وكان يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء» أي: في الأيام التي انتصرت جنوده على جنود فارس وأخرجهم من بلاده , «وأصبح يوماً خبيث
(١) رواه البيهقي في السنن الكبرى (٩/١٧٧، رقم ١٨٣٨٦) من قول الشافعي.