النفس» أي: رديء النفس غير طيبها أي: أصبح ما غير نشط ولا منبسط «فقال له بعض بطارقته» أي: خواص دولته وأهل الرأي والشورى منهم «قد استنكرنا هيئتك» أي: أنكرنا حالتك أي: رأيناها مخالفة لسائر الأيام «قال ابن الناظور: وكان هرقل حَزَّاءً ينظر في النجوم» يحتمل أن يكون خبراً ثانياً لكان لأنه ينظر في الأمرين، ويحتمل أن يكون تفسيراً لحزاء، فإن الكهان تارة تستدل إلى اللقاء الشيطان الشياطين، وتارة يستفاد من إحكام النجوم، وكان كلاً من الأمرين في الجاهلية شائعاً ذائعاً، إلى أن أظهر الله الإسلام فانكسرت شوكتهم وأبطأ الشرع الاعتماد عليهم.
وقال لهم هرقل حين سألوه أي: عما استنكره منه «إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان» أي: رأيت الطائفة الذين يقطعون الجلدة التي فوق الحشفة «قد ظهر» أي: غلبوا وملكوا يعني له نظره في النجوم، أن الملك ينتقل عنهم إلى الطائفة الذين يختتنون، فإن النصارى لا تختتن، وكان أدرك ذلك وحصله من حساب المنجمين، فإنهم زعموا أن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج العقرب، وهم يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن تستوفي المثلثة بروجها في ستين سنة، فكان في ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور، وعند تمام العشرين الثانية مجيىء جبريل بالوحي، وعند تمام الثالثة فتح خيبر ومكة ظهور الإسلام، وعندهم أن برج العقرب مائي وهو دليل ملك القوم الذين يختتنون وكان دليلاً على انتقال الملك للعرب.
فإن ساغ للبخاري إيراد هذا الخبر المشعر بتقوية قول المنجمين والاعتماد على ما يدل أحكامهم.
فالجواب: أنه قصد أن يبين أن البشارات بالنبي جاءت من طريق، وعلى كل لسان رفيق من كاهن أو منجم محق أو مبطل.
ثم سأل هرقل «فمن يختتن من هذه الأمة» أي: من أهل هذا العصر وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز «قالوا: ليس يختتن إلا اليهود» والحصر في قوله «إلا اليهود» بمقتضي علمهم لأن اليهود كانوا بإيليا تحت الذل مع النصاري بخلاف العرب، ثم قالوا:«فلا يهمنك شأنهم» أي: هم أحقر من أن تهتم لهم أو تبالي بهم «واكتب مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود فبينما هم على أمرهم» أي: في هذه المشورة أبي هرقل برجل أرسل إليه به أي: صاحب بصرى واسمه الحارث بن أبي شمر هلك على كفره، وكان من ملوك اليمن سكنوا الشام «يخبر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما استخبره هرقل» أي: سأله عن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره عنها قال: