الثاني: أنه تصديق بالقلب واللسان معاً ويعبر عنه: بأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان، وهذا القول منقول عن أبي حنيفة مشهور عن أصحابه، وقال به كثير من المحققين كما قاله في شرح المقاصد.
فماهية الإيمان على هذا من أمرين إقرار باللسان وتصديق بالجنان، فمن أخل بواحد منهما فهو كافر فالإقرار باللسان على هذا شطر، وعلى الأول كما تقدم شرط فلا يثبت الإيمان على هذا القول إلا بهما عند العجز عن النطق والإكراه، فإنه يثبت بتصديق القلب فقط فالتصديق ركن لا يحتمل السقوط أصلاً، والإقرار قد يحتمله كما في العاجز عن النطق والمكره.
الثالث: أنه التصديق بالقلب والاقرار باللسان وعمل سائر الجوارح فماهيتة على هذا مركبة من أمور ثلاثة الإقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، فمن أخل بشيء منها فهو كافر، وهذا القول للخوارج، ولذا كفروا بالذنب فقالوا: إن مرتكبه مطلقاً كافر لانتفاء جزء الماهية، والذنوب كلها عندهم كبائر، وهذا القول مردود باطل لأنه ورد في الكتاب السنة عطف الأعمال عليه كقوله تعالى ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ? [البقرة: ٢٧٧] مع القطع بأن العطف يقتضي المغايرة، وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه، ورد أيضاً بجعل الإيمان شرطاً لصحة الأعمال كما في قوله تعالى ?وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ? [طه: ١١٢] مع القطع بأن المشروط لا يدخل في الشرط لامتناع اشتراط الشيء بنفسه، ورد أيضاً بإثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال كما في قوله تعالى ?وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا? [الحجرات: ٩] مع القطع بأنه لا تحقق للشيء بدون ركنه.
نعم جمهور السلف من المتكلمين والمحدثين والفقهاء ذهبوا إلى أن الأعمال شرط في كمال الإيمان وفي صحته.
(١) أخرجه مسلم في صحيحه (١/٩٦، رقم ٩٦) ، والنسائي في السنن الكبرى (٥/١٧٦، رقم ٨٥٩٤) ، وأحمد في مسنده (٥/٢٠٧، رقم ٢١٨٥٠) ، وابن أبي شيبة في المصنف (٥/٥٥٦، رقم ٢٨٩٣٢) ، وأبو عوانة في مسنده (١/٦٨، رقم ١٩٢) ، وابن منده في الإيمان (١/٢٠٦، رقم ٦١) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (٢/١١٩) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٨/١٩، رقم ١٥٦٢٥) جميعاً عن أسامة بن زيد.