للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«بني الإسلام على خمس» الذي فيه قواعد الدين وأركان الإسلام، وسنذكر في الكلام على الحديث المذكور وحكمه الترتيب المذكور وسره.

ومن محاسنه أيضاً أنه يميز بين الأجناس بالكتب وبين أنواع كل جنس بالأبواب.

ثم قال البخاري «وهو قول وفعل ويزيد وينقص» (١)

الضمير عائد إلى الإيمان أو


(١) فصل معنى ذلك ابن حجر في الفتح (١١٢) فتحدث عن الأقول في زيادة الإيمان ونقصانه والكلام عن الفرق المخالفة والرد عليها فقال: قوله: «وهو» أي: الإيمان «قول وفعل ويزيد وينقص» ، وفي رواية الكشميهني: «قول وعمل» وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين أطلقوا ذلك، ووهم ابن التين فظن أن قوله: «وهو ... إلى آخره» مرفوع لما رآه معطوفاً، وليس ذلك مراد المصنف، وإن كان ذلك ورد بإسناد ضعيف.
والكلام هنا في مقامين: أحدهما: كونه قولاً وعملاً، والثاني: كونه يزيد وينقص.
فأما القول: فالمراد به النطق بالشهادتين، وأما العمل: فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح، ليدخل الاعتقاد والعبادات. ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى، فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان. وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله. ومن هنا نشأ ثم القول بالزيادة والنقص.
والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط. والكرامية قالوا: هو نطق فقط. والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد.
والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته. والسلف جعلوها شرطاً في كماله، وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى.
أما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط، فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا، ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم، فإن كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره، ومن نفى عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنه فَعَل فِعل الكافر، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته.
وأثبتت المعتزلة الواسطة فقالوا: الفاسق لا مؤمن ولا كافر.
وأما المقام الثاني فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين وقالوا متى قبل ذلك كان شكاً.
قال الشيخ محيي الدين: والأظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة، ولهذا كان إيمان الصديق أقوى من إيمان غيره بحيث لا يعتريه الشبهة. ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل، حتى إنه يكون في بعض الأحيان الإيمان أعظم يقيناً وإخلاصاً وتوكلاً منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها.
وقد نقل محمد بن نصر المروزي في كتابه: «تعظيم قدر الصلاة» عن جماعة من الأئمة نحو ذلك، وما نقل عن السلف صرح به عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وابن جريج ومعمر وغيرهم، وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم.
وكذا نقله أبو القاسم اللالكائي في «كتاب السنة» عن الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم من الأئمة، وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص.
وأطنب ابن أبي حاتم واللالكائي في نقل ذلك، بالأسانيد عن جمع كثير من الصحابة والتابعين، وكل من يدور عليه الإجماع من الصحابة والتابعين.
وحكاه فضيل بن عياض ووكيع عن أهل السنة والجماعة.
وقال الحاكم في مناقب الشافعي: حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص.
وأخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي من الحلية من وجه آخر عن الربيع وزاد: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ثم شرع البخاري يستدل لذلك بآيات من القرآن مصرحة بالزيادة، وبثبوتها يثبت المقابل، فإن كل قابل للزيادة قابل للنقصان ضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>