للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب: أن البخاري - رضي الله عنه - كررها في كل كتاب لزيادة الاعتناء بها، ولأجل المحافظة التمسك بالسنة وظهر وجه آخر في إعادتها في كل كتاب، وهو أن صحيح البخاري ليس بعد كتاب الله كتاب أصح منه وابتدأ الله تعالى سورة منه بالبسملة إلا براءة فابتدأ البخاري كل كتاب من صحيحة بها إقتداء بالكتاب العزيز، ليكون مزيد اعتناء، ومتمسكاً مزيد تمسك بالكتاب والسنة.

ولشدة الاعتناء بها افتتح شيخ الإسلام أبو الفرج ابن الجوزي في بعض مصنفاته كل مجلس بذكرها والوعظ بها، فقال في بعض المجالس: «بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله في الغدو والآصال، نسأل الله القرب والاتصال، قل بسم الله مع الإخلاص تظفر بالنجاة والإخلاص، هي كلمة القرب والوصال، كلمة تنفصل لها الأوصال، كلمة تخشع له القلوب وتهرب منها الذنوب، كلمة هي للصدور شفاء، كلمة فيها نيل الأماني، وتوجب القرب والتدابير، من سمع الله على الحقيقة طاش، ومن سمع الرحمن الرحيم على الحقيقة عاش، بسم من تحيا القلوب بآلائه، وتحيا الأجسام بنعمائه، وتحيا الأرواح بعطائه، وتحيا الأسرار بلقائه، أين المشتاقون إلى الله، أين الخائفون من الله، علامة المشتاق إلى الله إذا ذكر الله طار قلبه شوقاً إلى الله، وعلامة المحب لله إذا سمع ذكر الله هام قلبه سروراً بالله، بسم الله يزول الهموم وتستر السرائر، بسم الله من بأمره أقدار تجري، وبمشيئة النجوم تسري، بسم من يعلم الخطرات، ويحصي عدد القطرات، بسم من حارت في صفته عقول العلماء، وارتعدت من خيفته الجبال والماء.

«باب الإيمان قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: نبي الإسلام على خمس» (١) هذا بعض حديث سيأتي تمامة قريباً، ويجوز الاقتصار على بعض الحديث إذا تعلق به غرض صحيح.

قال ابن رجب في شرحه على هذا الكتاب: إنما صدر البخاري كتاب الإيمان بباب بني الإسلام على خمس لأنه يرى أن الإسلام والإيمان واحد، فصدره به لينبه على ذلك، والبخاري - رضي الله عنه - رتب كتابه ترتيباً حسناً لم يسبقه أحد في مثل ذلك، ترتيبه ومحاسنه كثيرة منها أنه بعد ذكر الوحي ذكر كتاب الإيمان ثم بكتاب الصلاة بسوابقها من الطهارة وغيرها، ثم باب الزكاة وما يتعلق بها، ثم بكتاب الحج وأبوابه، ثم بكتاب الصوم، وإنما رتبه هذا الترتيب ليوافق الترتيب الذي رتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث


(١) قال ابن حجر في الفتح (١/١١١) : قوله: «باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: بني الإسلام على خمس» ، سقط لفظ «باب» من رواية الأصيلي، وقد وصل الحديث بعد تاماً، واقتصاره على طرفه فيه تسمية الشيء باسم بعضه، والمراد باب هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>