للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المعصية فلا تعصه فقال: أما الذنوب فما خطرت ببالي قط كبيرها وصغيرها، وليس بكائي يا شيبان من أجل المعصية ولكن خوف العاقبة، لأني رأيت شيخاً كبيراً كتبنا عنه العلم، وكان تلتمس بركته ويستقى به الغيث، فلما مات تحول وجهه عن القبلة ومات على الشرك كافراً، فما أخاف إلا من سوء الخاتمة فقال له: إن ذلك من شؤم المعصية والإصرار على الذنوب، فلا تعص ربك طرفة عين.

وقال منصور بن عمار -رحمه الله-: إذا دنا موت العبد قسم حاله على خمسة أقسام المال للوارث، والروح لملك الموت، واللحم للدود، والعظم للتراب، والحسنات للخصوم، ثم إن ذهب الوارث للمال يجوز، وإن ذهب ملك الموت بالروح يجوز، فيا ليت الشيطان لا ينهب بالإيمان عند الموت، فيكون فراقاً من الرب سبحانه وتعالى، نعوذ بالله من ذلك، فإن كل فراق إلى اجتماع، وفراق الرب سبحانه صعب لا يدركه أحد.

وعن محمد بن نعيم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما جاءني جبريل - عليه السلام - إلا وهو رعد فرقاً وخوفاً من الجبار - عز وجل -» (١) .

وقيل: لما ظهر على إبليس ما ظهر من المخالفة والطرد بعد القرب والعبادة، طفق جبريل وميكائيل عليهما السلام يبكيان فأوحى الله إليهما ما لكما تبكيان هذا البكاء وإني لا أظلم أحداً قالا: يا رب لا نأمن مكرك أي: ما نأمن أن تقضي علينا بالبعد بعد القرب، وبالشقاوة بعد السعادة فقال: الله تعالى هكذا كونا لا تأمنا مكري.

وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه خرج إلى صلاة الجمعة فلقيه إبليس في صورة شيخ عابد فقال: له إلى أين يا عمر؟ فقال له: إلى الصلاة، فقال: قضينا الصلاة وفاتتك الجماعة، والجمعة فعرفه فمسكه بتلابيبه وخنقه وقال له: ويلك ألم تك رأس العابدين وقدوة الزاهدين، فأمرت بسجدة واحدة فأبيت واستكبرت وكنت من الكافرين، وطردت وأبعدت إلى يوم القيامة فقال: تأدب يا عمر هل كانت الطاعة بيدي أم الشقاوة بمشيئتي، إني كنت أبسط سجادة عبادتي تحت قوائم العرش، ولم أترك في السماوات بقعة إلا فيها سجدة وركعة ومع هذا القرب قيل لي: أخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين، فإن كنت يا عمر أمنت مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فقال له عمر: اذهب فلا طاقة لي بكلامك، أين الذين كانوا في اللذات يتقلبون ويتجبرون على الخلق ويتكبرون، مزجت لهم كؤوس المنون، فهم لها يتجرعون، وتركوا الأموال التي كانوا لها يجمعون، وفارقوا الذي كانوا به، وفاتهم النعيم الذي كانوا به ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون، فلو رآهم يا هذا في حلل الندامة


(١) لم نقف عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>