وتفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فلأن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، قوموا عصمكم الله تعالى، ولما وكلهم إلى مولاهم فتح الله عليهم بالمال الكثير.
حكى الكمال الدميري في الحمام: أن بعض العلماء الأكابر اجتمع بالمنصور وأمير المؤمنين فقال المنصور لذلك الرجل العالم يوماً من الأيام: عظني وأخبرني بأعجب ما رأيت، قال له: يا أمير المؤمنين من غريب ما رأيت أن عمر بن عبد العزيز مات وخلف إحدى عشر ولداً فبلغت تركته سبعة عشر دينار تصدق بخمسة دنانير واشترى له موضع القبر بدينارين، وأصاب كل واحد من أولاده تسعة عشر درهماً.
ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابنا فورث كل واحد منهم ألف ألف دينار ثم إني رأيت رجلاً من أولاد عمر بن عبد العزيز حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله ورأيت رجلاً من أولاد هشام يسأل أن يتصدق عليه قال: وهذا غير عجيب فإن عمر بن عبد العزيز وكلهم إلى ربه فكفاهم وأغناهم، وهشام وكلهم إلى دينارهم فأفقرهم مولاهم.
وعن الأوزاعي أنه قال: إن عمر بن عبد العزيز قال ما أحب أن يخفف عني سكرات الموت لأنه آخر ما يرفع للمؤمن من الأجر.
وفي رواية قال: ما أحب أن يخفف سكرات الموت لأنه آخر ما يكفر به عن المؤمن.
وروي أنه لما ثقل عليه المرض قال لمسلمة بن عبد الملك: خذ من مالي دينارين فاشتري لي كفنا فقال: يا أمير المؤمنين أن الدينارين لا يحصل بهما كفن بمثلك فقال: يا مسلمة إن كان الله - عز وجل - عني راضياً فسيبدلني لي بما هو خير منه، وإن كان ساخطاً فإنما أكون حطباً للنار.
ويروى أنه دخل عليه شخص يقال له: سابق في مرضه فقال: له يا سابق عظني وأوجز فأنشد:
إذا أنت لم ترحل بزاد التقى ... وافيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون شريكه ... وأرصدت قبل الموت ما كان أرصدا
فبكى عمر حتى وقع مغشياً عليه ودخل سابق مرة أخرى عليه فأنشده قصيدة طويلة:
فكم من صحيح بات للموت آمناً ... أتتة المنايا بغتة بعدما هجع
فلم يستطيع إذ جاءه الموت بغتة ... فراراً ولا منه بقوته امتنع