الزكي والرجل الصالح هو المزكي، نعم الملام والإثم على مانع الزكاة وإن كان ماله قليلاً، فإن ذا المال إذا لم يؤد حق الله وتصرف في ماله، فقد تصرف في حق المستخفين فيخشى عليه من تلفه في الدنيا وعقابه في الآخرة، فلهذا قال تعالى ?يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا? أي: على الكنوز نار جهنم فتكوى بها جباههم أي: فتحرق بها جباه كانزها وجنوبهم وظهورهم، وقال - صلى الله عليه وسلم - «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت عيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»(١) .
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: لا يوضع دينار على دينار ودرهم على درهم، ولكن يوسع له حتى يوضع كل درهم ودينار في موضع على حده.
فإن قيل: لم خص الله سبحانه وتعالى الجباه والجنوب والظهور بالكي، دون باقي البدن؟
فالجواب: إنما حض الله هذه بالكي لأن الغني صاحب الكنز إذ رأى الفقير قبض جبهته، ووارى ما بين عينيه وعبس بوجهه في وجهه فإذا ألح عليه الفقير جنبه إليه معرضاً عنه، فإذا وقف ولم يبرح أعطاه وتركه وانصرف، فعاقب الله هذه الأعضاء لذلك.
وبعض الصوفية ذكر لذلك توجيهاً آخر فقال: إنما خص الله الجباه والجنوب والظهور بالكي، لأن أصحاب الأموال لما طلبوا المال والجاه متوجهين إليه، ولم يخرجوا حق الله منه شاه الله وجوههم، ولما طووا كشحاً عن الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم، ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتماداً عليها كويت ظهورهم.
وقوله: ?هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ? أي: يقال لمانعي الزكاة يوم القيامة على جبهة التوبيخ هذا ما كنزتم لأنفسكم ?فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ? أي: ما كنتم تمنعون حقوق الله في أموالكم.
(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٢/٦٨٠، رقم ٩٨٧) ، وأبو داود في سننه (٢/١٢٤، رقم ١٦٥٨) ، والنسائي في سننه (٥/١٢، رقم ٢٤٤٢) ، وأحمد في مسنده (٢/٣٨٣، رقم ٨٩٦٥) . عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.