أني أزلت حجراً عن طريق المسلمين برجلي فقال اليهودي: هذا رب كريم لم يضيع لك هذا المقدار، وعصمك بسبه من هذه الأوزار، فكيف يليق بك أن تعصيه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «والحياء شعبة من الإيمان» إنما أافرد - صلى الله عليه وسلم - هذه الخصلة من خصال الإيمان في هذا الحديث وخصها بالذكر دون غيرها من باقي شعب الإيمان، لأن الحياء كالداعي إلى باقي الشعب، فإن صاحب الحياء يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر، فلما كان الحياء كالسبب لفعل باقي الشعب خص بالذكر ولم يذكر غيره معه.
واستشكل العلماء جعل الحياء من شعب الإيمان فقالوا: إن الحياء من الأمور التي طبع الإنسان وغرز عليها، وليس من كسبه فكيف يعد من شعب الإيمان وشعب الإيمان كسبيه لا غريزة فيها؟
وأجيب عن هذا الإشكال بأن: الحياء قد يكون غريزة وقد يكون تخلقاً واكتساباً كسائر أعمال البر، وأيضا يقال: وإن كان غريزياً ولكن استعماله على وفق الشرع وقانونه يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية، فهو من الإيمان بهذا الاعتبار.
لطيفة في الحياء: قال في الروض الفائق: قال مالك بن دينار: كان لي جار مسرف على نفسه فاجتمع الجيران إليَّ يشكونه، فأحضرته وقلت له: إنته عن عصيانك، واتق الله فإما أن تتوب وإما أن تخرج من هذه المحلة، قال: أنا في ملكي ما أخرج منه، قلت له: نشكوك إلى سلطان فقال: أنا من أصحابه، قلت: فندعو الله عليك، قال: ربي أرحم بي منكم ثم نهض، فلما كان الليل رفعت يدي وقت السحر وقلت: سيدي قد آذانا هذا الرجل فافعل به ما شئت، فهتف بي هاتف لا تدع عليه فإنه من أوليائنا قال: فقمت من ساعتي وطرقت عليه الباب فخرج، وظن أني قد خرجت لأخرجه من المحلة، فخرج وهو يبكى ويقول: يا سيدي السمع والطاعة أنا أخرج من المحلة قال: فقلت: يا حبيبي ما جئتك لهذا، وإنما الساعة تضرعت إلى الله فهتف هاتف لا تدع عليه فإنه من أوليائنا، فبكى بكاء شديداً وتاب وحسنت توبته، فأصبح الناس يزورونه ويتبركون به كثيراً، فخرج إلى مكة شرفها الله تعالى ماشياً وأقام بها فحججت في العام فبينما أنا في وقت الظهيرة في المسجد الحرام بحائط وإذا بجماعة قد اجتمعوا في جانب المسجد فقمت إليهم فإذا هم قد أحدقوا برجل فتأملته فإذا هو صاحبي وهو ملقى على التراب وهو يجود نفسه، فجلست عند رأسه أبكي ففتح عينيه فرآني فقال: يا مالك أترى يعفوا عن تلك السيئات، ويرحم هذه العبرات، إنما خرجت من تلك المحلة،