فلما كان وقت العشاء وصلينا أتاني الإمام بعد انصراف الناس، وقال: قم وأغلق باب المسجد، فقلت له: أنا رجل غريب، وهذه الليلة باردة أبيت هاهنا ولك الخير والأجر والثواب، فقال: قم ولا تكثر الكلام، فإن الغرباء يسرقون الحصر والقناديل، فقلت له: أنا إبراهيم بن أدهم فقال: قد أكثرت عليَّ الحديث وعلا على رجلي وقبضها وجعل يجرني على وجهي، حتى مر بي على باب أتون الحمام فدخلت الأتون وإذا أنا بالوقاد يقد النار فقلت: السلام عليك ورحمة الله فلم يرد علي السلام، بل أشار لي أن اجلس فجلست وأنا خائف منه لما رأيته تارة ينظر عن يمينه وتارة ينظر شماله، فلما فرغ من وقوده التفت إلى وعليك السلام فقال لي: يا هذا إنني أجير قوم فخفت أن أسلم عليك فأنشغل بالسلام فآثم وأخون، فقلت: رأيتك تنظر عن يمينك وشمالك أتخاف من أحد؟ قال: نعم قلت: ممن؟ قال: من الموت لا أدري من أين يأتيني أمن يميني أو من شمالي، فهو أكبر همي قلت له: بكم تعمل كل يوم قال: بدرهم ونصف، قلت: وما تصنع به؟ قال: آكل منه النصف وانفق الدرهم على أولاد أخي، قلت: أخوك من أمك وأبيك؟ قال: لا بل أحببته في الله تعالى، ومات وأنا أقوم بأهله وأولاده، فقلت له: عملك هذا عمل المتقين، هل دعوت الله في حاجة فأجابك؟ قال: لي حاجة عنده منذ عشرين سنة أدعوه بها وما قضاها، قلت: وما هي؟ قال: بلغني أن في الغرب رجلاً قد تميز على الزاهدين وفاق العابدين يقال له: إبراهيم بن أدهم دعوت الله - عز وجل - أن يجمع بيني وبينه حتى أراه وأموت، فقلت له أبشر يا أخي قد قضى الله حاجتك وما رضي أن يأتي بي إليك إلا سحباً على وجهي، قال فوثب من مكانه وعانقني وسمعته يقول: اللهم كما قضيت
حاجتي وأجبت دعوتي فارفعني إليك، قال: فنظرت إليه فإذا هو يرجف فتمدد على الأرض فأتيت إليه فحركته فإذا هو قد مات رحمه الله عليه، وهو مشهور بعبد الله الوقاد.
واعلم أن أنفع الأصدقاء هو الذي يوافق فعله قوله، وألا يكون كمن قال الله فيه ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ? [الصف: ٢، ٣] أنشد بعضهم:
لا ترض من رجل حلاوة قوله ... حتى يصدق ما يقول بفعال