للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الأمور؟ فأوحى الله تعالى إليه أن الشيخ كان قد قتل أبا الفارس، وكان على أبي الفارس دين لأبي الراعي مقدار ما في الكيس، فجرى بينهما القصاص ووقضي الدين وأنا حكم عادل.

وقوله: «يبيع بها» أي: بالغنم.

«شعف الجبال» أي: رؤوس الجبال.

«ومواقع القطر» أي: بطون الأودية والصحاري، وخص هذه المواضع بالذكر لأنها مظان المرعى.

وقال البرماوي: وذكر هذه المواضع لما فيها من الخلوة لأنها أسلم غالباً من الكدر، فإنها مواضع خالية من ازدحام الناس ومن المقاولات المؤدية إلى الكدورات.

وقوله: «يفر بدينه من الفتن» أي: فر مما يفتنه في دينه.

في هذا الحديث فوائد كثيرة:

منها: فيه دلالة على فضل العزلة في أيام الفتن لأجل إحراز الدين، ولئلا تقع عقوبة فتعم، فإن العقوبة قد تعم العاصي والطائع، ويهلك الله الطائع بذنب العاصي، فقد ورد في هذا حديث: أن زينب قالت: أنهلك وفينا الصالحون قال: «نعم إذا كثر الخبث» (١) .

ويروى أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: يا رب كيف تعذب عبادك بذنب رجل واحد؟ فأمهله الله حتى جلس تحت شجرة، فلذغتة نملة فأحرق جميع النمل، فأوحى الله إليه هلا نملة واحدة أي: هلا أحرقت نملة واحدة وهي التي لذغتة فكيف أحرقت غيرها معها بلا موجب، فأراه ذلك في النملة ليعلم أن العقوبة تعم العاصي والطائع، فإذا انعزل الإنسان سلم، اللهم إلا أن يكون الإنسان ممن له قدرة على إزالة الفتنة فإنه يجب عليه السعي في إزالتها إما فرض عين أو فرض كفاية بحسب المال والمكان.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (٣/١٣١٧، رقم ٣٤٠٣) من طريق الزهري قال: حدثني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان حدثتها عن زينب بنت جحش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعاً يقول: «لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بإصبعه وبالتي تليها فقالت زينب ... فذكره» .
والحديث عند مسلم في صحيحه (٤/٢٢٠٧، رقم ٢٨٨٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>