للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما في غير أيام الفتنة فقد اختلف العلماء في العزلة والخلطة بالناس أيهما أفضل؟ فذهب الإمام الشافعي والأكثرون إلى تفضيل الخلطة، لما فيها من اكتساب الفوائد، وشهود الشعائر، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال الخير إليهم بعيادة المرضى وتشييع الجنائز، وإفشاء السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، وإغاثة المحتاج، وحضور جماعاتهم في الجمعة وباقي الصلوات، والاجتماع في الوقوف عرفات وغير ذلك مما يقدر عليه كل أحد.

واهتمام الشارع - صلى الله عليه وسلم - بالاجتماع والخلطة معلوم، ولهذا قال الفقهاء: يجوز نقل اللقيط من البادية إلى القرية ومن القرية إلى البلد ولا يجوز العكس، فإن كان الإنسان صاحب علم أو زاهد ونحو ذلك تأكد في حقه فضل اختلاطه بالناس.

وذهب جماعة آخرون إلى تفصيل العزلة لما فيها من السلامة المحققة لكن بشرط أن يكون عارفاً بوظائف العبادة التي تلزمه وما يكلف به، قد ورد في فضل العزلة أحاديث وأخبار روينا في صحيح مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» (١) والمراد: «بالغني» عن النفس، «وبالخفي» المنعزل عن الناس.

وقيل: يا رسول الله أي: الناس خير قال: «رجل يجاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره» (٢) .

وعن عقبة بن عامر (٣) - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك» (٤) .

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «يأتي على الناس زمان القابض فيهم على دينه كالقابض على


(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٤/٢٢٧٧، رقم ٢٩٦٥) عن عامر بن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم، فضرب سعد في صدره فقال أسكت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره.
وأخرجه أيضاً: أحمد في مسنده (١/١٧٧، رقم ١٥٢٩) ، والبزار في مسنده (٤/٢٧، رقم ١١٨٨) ، وأبو يعلى في مسنده (٢/٨٥، رقم ٧٣٦) ، والدورقي في مسند سعد (ص ٤٩، رقم ١٨) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٧/٢٩٦، رقم ١٠٣٧٠) .
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (٣/١٠٢٦، رقم ٢٦٣٤) ، ومسلم في صحيحه (٣/١٥٠٣، رقم ١٨٨٨) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٣) هو: عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني، أمير من الصحابة، كان رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد صفين مع معاوية، وحضر فتح مصر مع عمرو بن العاص، وولي مصر سنة ٤٤هـ‍، وعزل عنها سنة ٤٧هـ‍، وولي غزو البحر، ومات بمصر سنة: ٥٨هـ‍، كان شجاعاً فقيهاً شاعراً قارئاً، من الرماة، وهو أحد من جمع القرآن، له ٥٥ حديثاً.
(٤) أخرجه الترمذي في سننه (٤/٦٠٥، رقم ٢٤٠٦) وحسنه، وقد مر تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>