للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعضهم:

ومازلت مذ لاح المشيب بمفرقي ... أفتش عن هذا الورى وأكشف

فما إن عرفت الناس إلا ذمتهم ... جزى الله خيراً كل من لست أعرف

وقال آخر:

وأدبني الزمان فلا أبالي ... هجرت فلا أزار ولا أزور

ولست بسائل ما دمت حياً ... أسار الجيش أم ركب الأمير

وهذا الحديث علم من أعلام نبوته إذا أخبر فيه - صلى الله عليه وسلم - أنه يكون في آخر الزمان فتن وفساد بين الناس، فالأولى والأحسن أن يكون عند الإنسان غنم يرعاها في رؤوس الجبال وبطون الأودية والصحاري، للجمع بين الرفق والربح، ويصون عليه دينه، وقد وقع كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - فكم من فتن في هذه الأزمان وقبلها، وسنقع أيضاً في غيرها، وكم أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن أمور مستقبلة فوقعت كما أخبر.

نقل ابن الجوزي: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من الدين إلا رسمه، ينفلت الدين من أمتي كما ينفلت السهم من القوس» قالوا: في أي زمن ذلك يا رسول الله؟ قال: «إذا قطعوا أرحامهم، وتدابروا، وأكلوا الربا علاينة، وفشت فيهم الفواحش، وأكلوا الأمانات، وأظهروا الرياء والسمعة، وحرصوا على الدنيا حتى لا يهمهم غيرها، ويظهر المنكر حتى أن الرجل ليمر بالقوم فيرى من المنكر ما يغيظه فلا يقدر أن يغيره، وإن غير استطال فاعله عليه، عند ذلك يقع الموت في العلماء، فلا ترى عالماً، ثم تنزع الرحمة من قلوبهم، ويندرس العلم والحكمة بينهم، فلا يطلبها طالب، وتقل مكاسب الحلال، وتكثر مكاسب الحرام، ويمنعون الزكاة، ويقل نبات الأرض وتغلوا الأسعار، وتهلك الثمرات، وتموج الناس كالبهائم، وتقل صدقاتهم، وتقسو قلوبهم ... الحديث» .

ولله در القائل من قال:

يا نفس دعي الدنيا التي ... قرن الحرص بها والشره

وألزمي النسك فما أربحه ... ودعي الغي فما أخسره

أي عذر في التصابي لامرئ ... فاقد من عمره أكثره

أي عذر فلا تقبله ... قتل الإنسان ما أكفره

فتعين في هذا الزمان الانعزال عن الناس إلا لضرورة بالغة، تحوجه إلى الاختلاط

<<  <  ج: ص:  >  >>